مجتمع مدني

مرسلة بواسطة نواف الحربي.. On 11:55 م




مجتمع مدني: ماكس فيبر صياغة المعنى العقلاني للدين


بغداد ــ الصباح عالم الاجتماع واستاذ القانون والاقتصاد واهم مؤسسي المدرسة الاجتماعية في الإدارة، ومن أشهر رواد الإدارة في بلورة مفهوم البيروقراطية Bureaucracy حيث وضع عدة معايير للنموذج البيروقراطي المجرد في الإدارة .
وتأتي أهمية دراسات وطروحات فيبر من اهتمامه المنقطع النظير بفلسفة العلوم الاجتماعية ومناهجها. وفي هذا الخصوص، استطاع تطوير المفاهيم والجوانب التي أصبحت بعد وفاته من ركائز علم الاجتماع الحديث.ولد ماكس فيبر في إبريل 1864 في إيرفرت بألمانيا من أسرة بروتستانتية موسرة وعرف أجداده لأبيه بأنهم (لوثريون) نسبة إلى المصلح الديني المعروف مارتن لوثر ولقد طردوا من النمسا بسبب معتقداتهم وعندما وصلوا إلى بيلفيلد اشتغلوا بالتجارة حتى أصبحوا من أشهر تجارها، وكان والده محامياً عمل بالسياسة في عهد بسمارك وظل لعدة سنوات عضواً في الريشناخ (البرلمان). أُصيب بمرض نفسي أجبره على مزاولة عمله على مدى سبع سنوات بشكل متقطع.. وفي عام 1909 شارك فيبر في تأسيس الجمعية الألمانية لعلوم الاجتماع. ومن ثم بدأ فيبر عام 1913 بكتابة أحد أهم أعماله وهو "الاقتصاد والمجتمع" والذي نُشر لأول مرة عام 1922، أي بعد وفاته.. وفي نفس العام كتب عملين مهمين هما "العلم كمهنة" و" السياسة كمهنة".الدين ..العقلانية .. الحداثة يعد كتابه "الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية" أبرز مؤلفاته وأكثرها تأثيرا في الفكر الاجتماعي ،اذ كان قراءة لدور القيم الدينية في ظهور قيم وأخلاق العمل في المجتمعات الصناعية الجديدة التي كانت أساس ظهور النظام الرأسمالي...فإذا كان ماركس قد جعل الدين جزءاً من البناء الفوقي بوصفه متغيرًا تابعًا للبناء الأساسي الذي يتألف من علاقات وقوى وأنماط الإنتاج، فإن فيبر قد حرص في المواجهة أن يحرك عناصر التفسير الديني للمجتمع والسلوك؛ خاصة ما يمكن وصفه بالسلوك في المجال الاقتصادي، وذلك في مقابلة التفسير المادي للتاريخ. وجاءت دراسته حول الأخلاق البروتستانتية والنظام الرأسمالي على أساس أن الرأسمالية الحديثة في أوروبا وقيمتها الأساسية لم تكن في حقيقة الأمر إلا نتاجاً لتلك العقيدة البروتستانتية، وكان يرى ان الكاثوليكية تتسم بالأخلاقية ولكنها تفتقد العقلانية، فيما كانت البروتستانتية قد جمعت بين الأخلاقية والعقلانية على صعيد واحد، أما البوذية والهندوسية والتاوية فإنها تدعو للزهد السلبي وتحتقر الدنيا، والكونفوشيوسية تدعو إلى قيم دنيوية إلا أنها تجاهلت قيمة الفردية والتجديد والابتكار، ولم تتح الفرصة لظهور العقلانية والرأسمالية، أما اليهودية فهي وإن شجعت على النمو الاقتصادي الرأسمالي إلا أنها والإسلام لم يشجعا على الزهد بالمعنى الإيجابي وافتقدا أهم الأسس للرأسمالية، ودلل فيبر على رؤيته من خلال الخبرات الغربية.يرى بعض الباحثين ان فيبر وضع يده على أحد أهم الأسرار في نهضة الغرب، فحيث انتشرت البروتستانتية انفجرت الرأسمالية، ويقول إن مثلث أو شرارة الانبعاث تكمن في: روح المبادرة، وتقديس العمل، واعتماد مبدأ الربح. وهي ثلاث قيم أنهكت الغرب مع تسلط الكثلكة، ولم يكن الغرب حسب وجهة نظره لينهض لو أن البابا والكنيسة الكاثوليكية بقيمها المعاكسة بقيت تمسك بتلابيب أوروبا؛ من تقديس الزهد والفقر، والتواكل في عقيدة فاسدة لفهم العمل الإلهي والبشري، والنظر إلى الربح على أنه عمل غير صالح.البيروقراطيةكثير من الناس يحملون كلمة بيروقراطية معاني سلبية اذ ترتبط لديهم بمفهوم الروتين وإن كان الأمر في الأساس عكس ذلك تماماً اذ راى فيبر فيها تعبيراً عن العقلانية في النظام الرأسمالي بل والخاصية الجوهرية لها والأداة الحيوية فيها.ودفعت آراء ماكس فيبر الكثير من علماء الاجتماع والسياسة لبحث تأثيرات البيروقراطية في النظام الاجتماعي والسياسي في المجتمعات الحديثة. ان البيروقراطية هي الوسيلة الوحيدة لتحويل العمل الجماعي إلى عمل اجتماعي منظم... وهي تشجع الطريقة العقلانية في الحياة. اذ أن البيروقراطية كما قدمها فيبر إنما تستهدف إلغاء الطابع الشخصي من حيث توزيع الأعمال أو طرق أدائها أو تقييم الأداء. وبمعنى آخر فإن البيروقراطية هي مجموعة النظم واللوائح التي تحدد السلوك التنظيمي كما يجب أن يكون اعتقاداً بأن هذا السلوك يمثل أفضل سلوك يمكن التنظيم من تحقيق أهدافه واعتقاداً بأن هذه اللوائح هي ضمان لحماية التنظيم من الفساد والتسيب والانحراف. وبمعنى آخر فإن كلمة بيروقراطية تعني وببساطة البناء الاجتماعي المتسلسل لإدارة التنظيمات الضخمة بطريقة سليمة وبكفاءة وفعالية وبطريقة غير شخصية. وهو يشير إلى التغيرات التي تحدث في المنظمات الرسمية أو الأهلية بطريقة صحيحة لصنع القرارات لتحقيق الكفاءة والفعالية وتحقيق الأهداف.الدين والحداثةكان فيبرمثيراً للكثيرين من معاصريه خصوصا في كتابه (الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية) أن ينحاز فيلسوف مثل فيبر، من أشهر فلاسفة التنوير والعقلانية في أوروبا، لدور الدين في دعم مسيرة الحداثة والتنوير الأوروبية.. اذ يرى قدرة الدين على عقلنة السلوك الفردي، وذلك على عكس المنطق السائد بتأكيد التعارض بين النشاط الاقتصادي والممارسة الدينية والأخلاقية، وذلك على اعتبار أن علم الاقتصاد الحديث هو عالم عقلاني وموضوعي، في حين أن الدين يقوم على استحواذ البعد الأخلاقي على ممارسات الفرد وليس هناك مجال للحسابات الموضوعية الرشيدة بحسب أنصار هذا الرأي. اذ يرى فيبرأن "عملية سلب العقلانية من الدين هي نتيجة للعقلنةالعلمية للعالم"). من جهة أخرى يري فيبر ، "إن ما يقدمه العقل لن يكون أقصى معرفة فكرية تتعلق بالمجال القياسي المعياري، إنما هو عبارة عن اتخاذ موقف نهائي من العالم، حيث الإمساك الفوري بمغزى هذا العالم. في حين يكشف الدين عن المعنى الحقيقي للعالم عبر إضفاء الصفة الداخلية على وضعه الاجتماعي والمعرفي، ليس بوسائل الفهم والإدراك وإنما بإظهاره وإعلانه عن "كاريزمية التنوير وميز فيبر بين نوعين للدين، او فهم الدين ، الاول الدين الفولكلوري "التدين" وهو الذي يسود لدى معظم الفئات الأكثر شعبية أو البروليتاريا غير المستقرة اقتصادياً، والتي تواجه صعوبة في إدراك المعرفة "العقلانية"، والثاني هو الدين العقلاني أو الأخلاقي الذي يعطي العلم والمعرفة معانيهما "الوظيفية". وقد بات هذا النوع الأخير من الإدراك الديني بمثابة مقدمة "أولى" كبيرة ستفضي لاحقاً إلى نتائج تمد الحداثة بالعديد من الأفكار والمفاهيم الوظيفية.



صفحة للطباعة أرسل هذا الخبر لصديق


· البحث في اخبار مجتمع مدني· البحث في اخبار جميع الصفحات
أكثر خبر قراءة في مجتمع مدني:مفهوم حقوق الانسان ودور المؤسسات التربوية

Category :

0 Response to "مجتمع مدني"

إرسال تعليق