تعزيز الصحة وتغيير السلوكيات السلبية

مرسلة بواسطة نواف الحربي.. On 8:29 ص

يستطيع الإعلام ان يلعب دورا مؤثرا وايجابيا في تغيير سلوكيات مجتمعية عديدة تؤصل معها ممارسات وعادات حسنة‏..‏ فالإعلام الايجابي الواعي يمكنه عبر خطة مدروسة ومنظمة ان يعزز صحة الأطفال والأمهات باعتبارهما الشرائح الأكثر هشاشة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا وان يحارب الكثير من العادات السلبية الموروثة ويكافح كذلك امراضا فتاكة تنتشر في المجتمعات الفقيرة وان يتغلب علي التحديات التي تواجه عمله والمتمثلة في الفقر والجهل والعادات والتقاليد الموروثة التي تعوق الكثير من الحملات الرامية إلي مكافحة امراض أو مناهضة ممارسات ضارة خاصة في ظل انتشار امراض جديدة مثل الايدز يغلب عليها طابع الوصمة وتفتك بأوراح الملايين كل عام‏.‏ فالإعلام رسالة نبيلة أولا قبل ان يكون مجرد مهنة مثل بقية المهن الأخري‏..‏ من اجل التأكيد علي دور الاعلام في تعزيز الصحة والارتقاء بصحة الأطفال والامهات من خلال تغيير بعض السلوكيات عقدت منظمة اليونيسيف منتداها الإعلامي الرابع لحقوق الطفل في العاصمة المغربية الرباط في الفترة من‏25‏ إلي‏27‏ نوفمبر الماضي تحت شعار تعزيز الصحة وتغيير السلوك وهو المنتدي الذي يعد بمثابة حدث سنوي للمنظمة يهدف إلي تسليط الضوء علي بعض أوجه حقوق الطفل بين الاعلاميين في المنطقة‏..‏ وكان أول منتدي إعلامي عربي قد عقد عام‏2004‏ عن حقوق الطفل والثاني في دبي عام‏2006‏ لمراجعة موقف مبادرة تعليم الفتيات في العالم العربي والثالث في نوفمبر‏2007‏ وركز علي قضايا اليافعين والشباب‏.‏ أما عام‏2008‏ الذي يوافق العام الدولي للصحة والصرف الصحي فركز المنتدي الإعلامي الرابع علي هذه المعاني لتأكيد دور الإعلام في تعزيز الصحة وتغيير السلوكيات الخاصة بموضوعات هامة مثل التغذية والرضاعة الطبيعية والوقاية من الأمراض بالتطعيمات وسبل مكافحة انفلونزا الطيور واهمية غسل الأيدي بالماء والصابون للوقاية من أمراض كالإسهال المسببة لوفيات الأطفال والتوعية بالسلوكيات التي تؤدي للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية الايدز وتأثير هذه الأمراض علي التنمية وأهمية الاعتماد علي الاعلاميين لكي يكونوا سفراء في المنطقة يقومون بتوجيه رسائل توعية للحث علي تحسين السلوكيات الصحية وكسر حاجز الصمت الذي يغلف بعض الموضوعات ذات التأثير السلبي علي الأطفال والنساء‏.‏ شارك في تنظيم هذا المنتدي نادي دبي للصحافة وصحيفة البيان الإماراتية والمرصد الوطني لحقوق الطفل بالمغرب والمجموعة الإعلامية ايكوميديا وضم اعلاميين يمثلون كافة الوسائل الإعلامية ومتخصصين من منظمات الأمم المتحدة المختلفة والفنان محمود قابيل سفير اليونيسف الاقليمي للنوايا الحسنة والفنانة المغربية القديرة نعيمة لامشاركي صديقة اليونيسيف وعدد من الشباب والمراهقين المغاربة للتأكيد علي دورهم في توعية زملائهم‏..‏ وحضر جلسة الافتتاح خالد ناسيري وزير الإعلام بالمغرب‏.‏ وفي كلمته الافتتاحية أكد عبدالرحمن غندور المدير الاقليمي للاتصال والاعلام في المكتب الاقليمي لليونيسيف أن المنتدي يتقدم عاما بعد عام بخطي ثابتة ليتحول إلي مؤسسة إقليمية هدفها اتاحة الفرصة للمؤسسات العاملة في مجال التنمية لتطوير شراكة مثمرة مع الإعلام لتحقيق مصلحة أطفال المنطقة‏..‏ فالكل في هذا المنتدي مسئول ومؤيد للتغيير‏.‏ تميزت المناقشات التي دارت علي مدي ثلاثة أيام بالحماس والتفاعل والايجابية وركزت علي أهمية التغذية بالنسبة للأطفال والامهات حيث أكد د‏.‏ ماهيندرا شيث مستشار التغذية والصحة الاقليمية في المكتب الاقليمي لليونسيف أهمية الرضاعة الطبيعية الحصرية طوال الأشهر الستة الأولي من عمر الطفل باعتبارها من التدخلات الأكثر فاعلية والاقل تكلفة في الحد من وفيات الأطفال حيث اثبتت الدراسات والإحصائيات أن انخفاض معدلات الرضاعة الطبيعية قد يؤدي إلي ارتفاع معدلات سوء التغذية والوفيات بين الأطفال دون سن الخامسة‏..‏ فوفقا لتقرير وضع الأطفال في العالم الذي اصدرته اليونيسيف عام‏2008‏ بلغ معدل الرضاعة الطبيعية الحصرية طوال الستة أشهر الأولي من عمر الطفل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا‏28%‏ مما يجعل المنطقة تنخفض بمقدار عشر نقاط عن المعدل في الدول النامية‏, ‏ واضاف د‏.‏ ماهيندرا أنه بالرغم من أن هناك تقدما ملموسا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث انخفاض معدل وفيات الاطفال دون سن الخامسة بمقدار‏27%‏ فإن ذلك لايمنع من أن هناك بعض المسائل المتعلقة بصحة الطفل التي تحتاج إلي جهد كبير من الإعلاميين مثل التوعية بأهمية تغذية الطفل جيدا والامراض التي يمكن أن تصيبه نتيجة بعض السلوكيات الخاطئة كعدم نظافة الايدي والاواني والاطعمة الخاصة به وذلك حتي ينمو الطفل ويصبح مواطنا متكاملا وعاملا مساعدا علي تنمية بلده‏..‏ فتغذية الطفل يجب أن تحتل أولوية اهتماماتنا بعد أن أكدت الابحاث أن‏20%‏ من وفيات الأطفال يمكن تفاديها بالرضاعة الطبيعية الحصرية ونسبة من الوفيات يمكن تفاديها بالحرص علي حصول الأطفال علي التطعيمات اللازمة‏..‏ ونبه د‏.‏ ماهيندرا أيضا إلي خطورة انتشار البدانة بين أطفال المنطقة باعتبارها ظاهرة مرضية وليست ظاهرة صحية كما يعتقد الكثيرون‏.‏ وشدد إيضا علي أهمية التأكد من حصول الأطفال علي نسبة اليود اللازمة لتنمية ذكائهم وقدارتهم العقلية حيث تفاوتت هذه النسبة في دول المنطقة من‏1%‏ إلي‏9%‏ وهي نسب أقل من المعدل العالمي‏..‏ كذلك يجب الاهتمام بصحة الأمهات أثناء الحمل وا لرضاعة لأن وجودههن اساسي للطفل‏,‏ لذلك يجب توجيه رسائل إلي الأمهات بضرورة التوجه إلي المستشفيات والوحدات الطبية لمتابعة الحمل وإجراء الفحوصات للوقاية من سرطان الثدي والرحم‏.‏ ثم تحدث د‏.‏ إبراهيم الكرداني المستشار الاقليمي للاعلام والاتصالات والمتحدث الرسمي للمكتب الاقليمي لمنظمة الصحة العالمية عن دور الاعلام في تغيير السلوك في مراحل العمر كلها‏,‏ موضحا أنه أذا كانت بعض الحملات الصحية قد نجحت في الماضي مثل حملة محلول الجفاف في مصر فإن ذلك يرجع إلي إن النجاح الإعلامي كان اسهل وقتها في ظل وجود قناة أو اثنتين توجهان رسائلهما إلي المشاهد في كل مكان أما اليوم فقد تغير الوضع واصبح أكثر صعوبة في ظل وجود مئات القنوات التي يتحرك بينها المشاهد بين لحظة وأخري فتفوته الرسائل الموجهة‏,‏ لكن نفس هذا التطوير الإعلامي له ايجابياته أيضا لانه يتيح الفرصة للتقرب من فئات الشباب مثلا عبر المواقع الالكترونية التي يتصفحونها وعبر استخدام رسائل الـ‏SMS‏ لذلك يجب تكثيف حملات التوعية بأهمية تغيير السلوكيات في كل مراحل العمر من خلال توجية رسائل اعلامية مختلفة تناسب كل فئة وكل شريحة مستهدفة مع التركيز في الرسائل الموجهة للأمهات علي اهمية الزيارات الطبية طوال فترة الحمل وارضاع الاطفال طبيعيا وحصريا طوال الستة اشهر الأولي والتأكد من حصول الطفل علي التطعيمات في مواعيدها وابعاد الأدوية والبوتاس عن متناول ايدي الأ طفال في البيوت لأن المستشفيات تستقبل كل يوم مئات الأطفال بسببها‏.‏ الإيدز‏..‏ الخطر القادم وبالنسبة للشباب يجب توعيتهم بخطورة فيروس نقص المناعة البشرية الايدز الذي يعد اليوم ثاني أسرع الأمراض انتشارا في العالم وتخصص له الدول أعلي الميزانيات وتتكاتف عشر من منظمات الأمم المتحدة لمكافحته‏.‏ واكد د‏.‏ ابراهيم الكرداني ان هذه الجهود اثمرت عن اكتشاف علاج يسمح للمريض بالتعايش مع المرض وليس الشفاء منه‏..‏ فمريض الايدز يمكنه اليوم ان يعيش حياة طبيعية مثله مثل مرضي السكر أو الضغط اذا اكتشف المرض في مراحله الأولي وواظب علي تناول الدواء واتخذ بعض الاحتياطات لمنع انتقال العدوي منه‏..‏ وهنا يبرز دور الإعلاميين في حث الناس علي تغيير سلوكياتها وتوفير كل المعلومات الخاصة بالمرض حتي لاتنقل الأم المصابة الفيروس إلي جنينها في الرحم أو من خلال الرضاعة الطبيعية أو ينقل الزوج المصاب المرض إلي زوجته والتوعية بوسائل انتقال الفيروس والمتمثلة في العلاقة الجنسية مع شخص مصاب أو الدم الملوث ومشتقاته والتأكيد علي عدم عزل المصابين بالفيروس لأن العدوي لاتنتقل بالتعايش مع شخص مصاب ولا بمشاركته الطعام ولا بالمصافحة‏.. ‏ وحذر د‏.‏ ابراهيم في النهاية من تصاعد نسبة الاصابة بالفيروس في منطقتنا لعدم مواجهته بصراحة في حين ان هذا المرض يحتج إلي مواجهة صريحة واتخاذ الاحتياطات للوقاية منه‏..‏ وهذه هي مسئولية الإعلام الذي باستطاعته التوعية بالمرض من خلال توجيه رسائل موجزة ومتكررة للفئات الأكثر تعرضا للاصابة به مثل الشباب والمراهقين والاطفال العاملين وفي السجون بمثل هذه العبارات‏:‏ ‏ *‏ بادر بالتحليل‏..‏ التحليل لايحتاج إلي تعليل ‏ *‏ اسأل‏..‏ فالإيدز لم يعد يحتمل الصمت ‏ *‏ أصبح هناك علاج جديد للإيدز‏..‏ وتبقي الوقاية أهم‏.‏ ‏ *‏ الإيدز عدونا‏..‏ ومريض الإيدز صديقنا‏..‏ فالإيدز ليس مجرد مرض طبي لكنه ايضا مرض اجتماعي ليس له حدود سواء جنس أو دين او سن أو معتقدات ثقافية والدليل علي ذلك ان في كل دقيقة يتعرض‏4‏ أشخاص في العالم للاصابة به‏.‏ ثم تحدثت د‏.‏ هنريتا اسود من المكتب الاقليمي للسكان بالامم المتحدة عن دور وسائل الإعلام في التأثير علي الناس مؤكدة ضرورة التفكير في كل قضية يتم تناولها اعلاميا بشكل عالمي ومعالجتها باسلوب محلي فمثلا قضية ختان الإناث مازالت‏,‏ محل جدال لان التقاليد أقوي احيانا من المعتقدات‏..‏ والناس كثيرا مايخلطون بين ماهو ديني وماهو تقليدي لذلك يواجه كثير من المبادرات الفردية عقبات كثيرة‏,‏ ولذلك ايضا تحتاج البرامج التغييرية المطلوبة إلي نوع من المرونة لاحداث تغيرات في السلوكيات‏..‏ فالمعرفة الحقيقة الخاصة بأي قضية لاتكفي بمفردها لاحداث التغيير المطلوب وإنما تحتاج إلي جانبها للوعي والتصرف لتكون بحق قوة فاعلة ـ فالمهم لتغيير السلوكيات تقديم حلول لحث الناس علي التفاعل معها‏..‏ وهنا يبرز دور الإعلام الذي لا يقتصر دوره علي كونه حليفا او شريكا يساعد علي التغيير وانما هو عنصر فاعل للتغيير ودوره تكوين تفكير جماعي ناقد والتقدم لمواجهة القضايا التي تحتاج إلي تغيير بصراحة وبساطة ليكون الاداة التي توصل صوت المهمشين إلي المسئولين‏..‏ وطالب الفنان محمود قابيل الاعلاميين بالعمل يدا بيد مع الحكومات والمنظمات الدولية التي تعمل من اجل تعزيز الصحة وتغيير السلوك لأن الكل يكافح من اجل نتيجة واحدة تتلخص في هذه الجملة معا من اجل الطفل الذي هو مستقبل هذا العالم واكد دور الفن في توصيل الرسالة في أي قضية يتم تناولها اعلاميا وعلي دور الإعلام ومسئوليته في التنبيه والتوعية والتحذير بالاخطار التي يمكن ان تسببها السلوكيات الخاطئة والسلبية‏.‏ وعرضت ايضا ضمن فعاليات المنتدي افلام وبرامج اذاعية من عدد من الدول العربية اظهرت مدي اهتمام الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني بتخفيض عدد وفيات الاطفال والأمهات والتوعية بالسلوكيات الصحية السليمة باساليب مبسطة تصل إلي قلوب الناس بسهولة وتؤثر فيهم‏..‏ وظهر واضحا ان الرسائل الإعلامية الموجزة والبسيطة يمكن ان تكون مؤثرة للغاية ولايشترط ان تكون مباشرة او مسببة للصدمة حفاظا علي خصوصية الدول الشرقية‏.‏ وعرضت بعض الدول تجاربها الناجحة مثل تجربة مصر في مكافحة ختان الإناث وتجربة احدي الجمعيات الأهلية العاملة في صعيد مصر التي قامت بتوعية مجموعة من السيدات بأهمية الرضاعة الطبيعية والحصرية لأطفالهن فقمن هن ايضا بتوعية بقية الامهات وكانت النتيجة انخفاض عدد وفيات الأطفال في القرية انخفاضا ملحوظا‏.‏ وتجربة أخري لإحدي الجمعيات الأهلية في المغرب التي استغلت رالي عائشة أو سباق السيارات بقيادة نساء وطالبت القائمين عليه بالمرور في الجنوب الفقير لتوعية النساء بالقواعد الصحية السليمة واهمية الاهتمام بالتغذية والفحوصات الطبية من خلال القوافل الطبية المصاحبة للسباق‏..‏ وغيرها تجارب كثيرة تؤكد كلها علي الشراكة الموجودة بين الإعلام والجمعيات الأهلية والمنظمات الدولية من اجل بقاء الاطفال علي قيد الحياة وتحسين صحتهم وصحة امهاتهم‏.‏ فالإعلام يمكن ان يلعب دورا مؤثرا في تعزيز الصحة وتغيير السلوك اذا تصدي للقضايا التي تحتاج إلي تغيير بصراحة وبساطة لحشد التأييد الجماعي المطلوب مع تقديم حلول لها لدفع الناس إلي التفاعل مع هذه القضايا‏.‏ ويستطيع أي صحفي ان يحدث هذا التأثير اذا وضع نصب عينيه هذا الشعار‏:‏ صحفي لكن مواطن أولا‏.‏

Category :

0 Response to "تعزيز الصحة وتغيير السلوكيات السلبية"

إرسال تعليق