أ. دنبــري لطفي
جامعـة الجزائرمنذ أن وجد الكائن البشري على سطح الأرض و هو يحمل في نفسه بذور التجمع و عوامل الحياة الاجتماعية التي تتطلبها تركيبته العضوية من غرائز و عواطف و أحاسيس، و الأهم من ذلك العقل، الذي يدرك و يميز به بين ما يضره و ما ينفعه، من جهة ، و من جهة أخرى، عجزه عن تحقيق رغباته و الحفاظ على كيانه بالانعزال عن بني جنسه. الحياة الاجتماعية مهمة للفرد و لبروزه، بل و مفروضة عليه لإثبات وجوده و إظهار قيمته الحقيقية ضمن ثناياها المتجسدة أساسا في أشكال التعاون و التفاعل و التبادل المشترك ، فمصالح الأفراد متوقفة إلى أبعد حد على بعضهم البعض ، بدء بالجانب الاقتصادي و الجانب الأمني ( الدفاعي)،و كنتيجة للميل الفطري كما يقـر ابن خلدون.و بتطور المجتمعات في مختلف مجالات الحياة ، أصبح للتجمع الإنساني معنى أوسع يميزه التطور و التنظيم . هذا الأخير الذي يعد بمثابة السمة الأساسية التي تميز المجتمعات الإنسانية الحديثة ، إذ نجد الأفراد و الجماعات ينتظمون في وحدات و أنساق اجتماعية متباينة وفق نموذج بنائي معين يسمح بتحقيق أهداف محددة ينشأ من أجلها التنظيم . ومن هنا بدأت مشكلة إدارة هذا التنظيم و أهميتها منذ أن كبر حجم المشاريع و احتياج صاحب العمل إلى من يساعده ، أين برزت فكرة الانتظام و ضرورة التعاون مع الآخرين، من خلال تقسيم الأعمال و تنظيم الجهود لبلـوغ أهداف محددة لم يكن الفرد وحده قادرا على بلوغلها. و مع كبير حجم المنظمات و ازدياد أنشطتها و ارتفاع عدد الأفراد العاملين بها، ازدادت الحاجة إلى ايجاد أساليب و طرق أكثر تطورا تساعد في تسيير شؤون تلك المنظمات و تعظيم الأرباح.من أجل هذا الشأن تطور الفكر التنظيمي خلال سنوات طويلة من الممارسات الإدارية في المؤسسات المختلفة بفضل إسهامات دراسات و بحوث عدد كبير من المفكرين و العلماء، الذين قاموا بإثرائه بكثير من الآراء و الأفكار المفيدة، من خلال طرحهم لنماذج و نظريات تفسر الإدارة كظاهرة اجتماعية. وفي أثناء هذا التطور اتسم الفكر التنظيمي بسمات ميزت كل مرحلة من المراحل التي مر بها ، من حيث المداخل والاتجاهات التي وجه إليها هؤلاء العلماء اهتماماتهم، الأمر الذي نتج عنه أكثر من رافد فكري، تمثل في أكثر من مدرسة ، لكـل منها نظرياتها و أرائها وروادها الذين أثرت بهم هذا المجال ،هذه النظريات التي لا تزال تحظى حتى وقتنا هذا باهتمام الباحثين والدارسين والممارسين للإدارة، لما تقدمه من مفاهيم ومبادئ وقواعد وأساليب منظمة للأنشطة والأعمال الهادفة.و نحن في هذا المقام و من خلال هذا المقال إنما نريد أن نسلط الضوء على أحد أهم النظريات الاجتماعية الرائدة في علم الاجتماع، و هي النظرية البنائية الوظيفية ، بشكل قراءة جديدة نبرز من خلالها مساهمات روادها في تطوير الفكر التنظيمي و آليات فهم السلوك البشري داخل التنظيم بغية السيطرة عليه و توجيهه الوجهة المرغوبة.
برزت مساهمات البنائية الوظيفية في الفكر التنظيمي بعد الانتقادات التي وجهت إلى النظريات الكلاسيكية الخاصة بالإدارة البيروقراطية ، و كذا النظريات ذات البعد الواحد. حيث ينطلق هذا الاتجاه من فكرة مفادها أن الظواهر تتشابك في بينها، وأن التنظيمات عبارة عن أنظمة اجتماعية تتكون من مجموعة من الأنساق الاجتماعية الفرعية تتشابك وتتفاعل فيما بينها و تهدف إلى تحقيق التكيف مع الكل الذي تعتبر هي جزء منه.يرى أصحاب الاتجاه الوظيفي أن النظم الاجتماعية مثلها مثل الكائنات الحية، لها حاجات الاستمرار في الوجود و التكيف مع البيئة وتحمل بين أجزائها نمطا من الاتصال المتبادل. و المنظمات كأنساق مترابطة تتكون من سلسلة مترابطة من العمليات. فهذا الاتجاه ينظر إلى المؤسسة بوصفها بناء كلي يتكون من مجموعة من الأنظمة الفرعية الفعالة، التي تتفاعل فيما بينها لتحقيق الهدف ، أو بصيغة أخرى ، المؤسسة نسق اجتماعي يعمل ضمن نسق أكبر ، و تحتوي في نفس الوقت على أنساق فرعية تعاونية ( شستر برنارد) تتفاعل فيما بينها لتحقيق وظيفة في بنائية النسق الأكبر. و النظام الكلي في هذه النظرية يأتي قبل الجزء، و لفهم الجزء بالضرورة يسبقه فهم الكل ؛ لأن الأنساق الفرعية ما هي إلا أنساق تعاونية لها تأثير وظيفي متبادل من أجل خدمة الكل. إن المنظور الوظيفي يقوم أساسا على تحليل و تفسير السمات البنائية و العمليات الاجتماعية التي تميز المنظمات ، و يحدد العناصر البنائية التي يجب توفرها في التنظيم كالآتي: (1)· وجود جماعة ثابتة لها قيم تضامنية.· وجود مجموعة من الأهداف المحددة الواضحة التي ترسم أبعاد التنظيم و نشاطاته و تبرر وجوده و تحافظ على بقائه و تحديد طريقة تحدد هذه الأهداف من خلال معايير و أدوار محددة.· إتباع تنظيم دقيق لنشاطات الأفراد بطريقة تضمن أفضل تقسيم للعمل يمكن أن يتولى بمقتضاها كل عضو مهام وواجبات محددة يتعين عليه أداؤها إذا ما أراد الاستمرار في عضويته.· وضع نظام رئاسي (متسلسل رئاسي) يحدد واجبات وحقوق كل عضو داخل التنظيم يرتبط به تسلسل محدد للسلطة يتخذ شكلا هرميا ( تسلسل السلطة).· وضع نظام محدد للاتصال يحدد القنوات و المسارات التي تنظم العلاقات الرئاسية بين كافة المستويات داخل التنظيم.· إتباع نظام عادل في التعيينات و الترقيات و الأجور و المكافآت.· وجود نظام قانوني يضبط سلوك الأفراد.يرتكز هذا المدخل البنائي الوظيفي على جملة من العناصر من شأنها تحقيق الهداف البنائي الوظيفي ، و هي : (2) 1. التاريخ : حيث يفيد في فهم الواقع الحالي من خلال استقراء التطور الذي حدث في الماضي، و ماهية العوامل التي جرت خلال الفترة الماضية و أدت إلى استمرار أو عدم استمرار منظمة العمل في آداء العمل في فترات متتالية، و بعدها قياس الحاضر باعتباره نتاج الماضي و التنبؤ بالمستقبل باستعمال نفس المعايير ، و يفيد ذلك جدا في تحليل ظواهر التنظيم في مقدمتها الإدارة.2. القيـم: و تعتبر عناصر بنائية تشتق أساسا من التفاعل الاجتماعي ، لها دور بالغ الأهمية لأنها تساعد على تحليل الأهداف و السلوك و التفاعل و البناء الاجتماعي، كما تفيد في فهم مجتمع التنظيم باعتبار أن النشاطات في مختلف المنظمات تستمد دلالتها من الأهداف و القيم و الغايات التي تستطيع فهمها فقط.3. البعد التكنولوجي : و ما يرتبط به من تقدم و زيادة في تقسيم العمل و زيارة فرص العمل و ما يصبحهم أيضا من توترات و مشاكل.4. الأهداف التنظيمية : و التي يلزم أن يكون لها الأولوية على أهداف الأفراد و مطالبهم الشخصية فللأهداف التنظيمية مبادئ تمت صياغتها حين قام المجتمع الصناعي ؛ تتحدد بصفة رسمية، يعمل الجميع من أجل تحقيقها. إن الأهداف التنظيمية و الأهداف الفردية لأعضاء البناء الاجتماعي (التنظيم) تمر جنبا إلى جنب حتى لا يحدث التضارب أو الصراع. و إن حدت التغيير في الأهداف لضرورة معينة كالتقدم التكنولوجي أو غيره ، يلزم أن تواكبه الأبعاد السوسيولوجية بالدراسة و الفحص.5. البناء التنظيمي : و يتحدد في شكل الهرم الوظيفي داخل مجتمع التنظيم ، و الذي يقع في قمته أعضاء الإدارة العليا ، يليهم أعضاء و مستويات الإدارة الوسطى و الإشراف، في قاعدة الهرم يكون العمال ، فالهرم الوظيفي عند البنائيين يقوم على الأدوار Rôles التي يقوم بها الأعضاء كل في مركزه و مكانته في الهرم.فالبناء الاجتماعي لمجتمع التنظيم يتكون من المراكز و الأدوار و السلطات و المسؤوليات و القواعد التي تحدد نمط السلوك المتوقع بطريقة رسمية.و لتفاصيل أوفى عن مساهمة هذه النظرية ، نطرح آراء و مساهمات جملة من مفكريها و روادها الأساسيين كل على حدا ، بهذا الشكل : I . النظام التعاوني لشستر برناردِC.Barnard: كانت مساهمة شستر برنارد بمثابة حلقة الوصل بين تحليلات ماكس فيبر ونظريته البيروقراطية و بين نظريات البنائية الوظيفية ، فهو من رواد النظريات متعددة الجوانب، مساهمته في سبيل التنظيم كانت بإقراره وجود نسق تعاوني كمركب معقد فيزيقيا ، بيولوجيا،و شخصيا و سوسيولوجيا، له علاقة متميزة من خلال التعاون بين الأفراد. فالتنظيم عنده عبارة عن نظام تعاوني يقوم على أساس تعاون شخصية أو أكثر من أجل تحقيق هدف محدد . و التنظيم بهذا المنطلق يمثل وحدة فرعية في نظام أكبر ، من ناحية ، كما يضم وحدات أصغر منه من ناحية أخرى، و بدورها الأنساق الفرعية هاته تتضمن نسقا تعاونيا داخليا. إذن التنظيم نظام مفتوح.(4)يقول برنارد بأن التنظيم يتأثر بجملة من القضايا، في مقدمتها البيئة أو المناخ المادي للمحيط ، و كذا المناخ الاجتماعي الذي يعتبره أشد تأثيرا من الأول و الذي يصل تأثيره إلى داخل التنظيم عن طريق الأفراد الذين يلتحقون بعضوية التنظيم أو يتعاملون معه، و أن التنظيم يتميز بوجود جماعات بشرية تتعاون من أجل أهداف محددة.إن لب مساهمة برنارد يكمن في اهتمامه الكبير بالعنصر البشري و بالدوافع الإنسانية المحرك الرئيسي لأي نشاط بالتنظيم ، و على الإدارة أن تعمل على تشجيع تكوين الجماعات و محاولة التنسيق بينها بإيجاد الجو التعاوني المناسب.و في هذا الصدد يطرح برنارد 4 تقسيمات مميزة للأنساق التعاونية توجد داخل التنظيمات بالفعل ، تظهر في : 1. علاقات بالبيئة الفيزيقية.2. بالبيئة الاجتماعية.3. بالأجــزاء.4. و في علاقات وثيقة بعدة متغيرات تنظيمية أخرى.العنصر الأول يوضح أن أي نسق تعاوني ليس معزولا عن البيئة الفيزيقية الخارجية مع الأنساق الفرعية الأخرى من التنظيمات، أما الثاني فيشير أن كل العناصر الاجتماعية مرتبطة في علاقتها بالموقف التعاوني ، و هذه العلاقة تظهر في عدة أشكال مميزة هي : · نشاطات الأفراد داخل التنظيم.· نشاطات المواقف الأخرى للأفراد ، سواء كانت في صور تعاون أم صراع.· و في احتكاك النسق مع الأنساق التعاونية الأخرى.· يظهر عن طريق الأنساق التعاونية العليا ، نتيجة للتماسك الداخلي بالنسق التعاوني نفسه.أما العنصر الثالث فيشير إلى الاتحاد بين البيئة الفيزيقية و الاجتماعية التي يتميز بها التنظيم.على المدير حسب هذا الرأي الذي يطرحه برنارد ، أن يعلم بحقيقة التعاون بين الأنساق الفرعية و أن يحاول أن يسهل عملية الاتصال التي تساعد على التعاون أكثر وسهولة تبادل المعلومات بين الأفراد، و أن يشجع تكوين الجماعات و أن يعمل على تحقيق احتياجاتها و مقاربة أهدافها غير الرسمية مع الأهداف الرسمية للتنظيم ، مستخدما في سبيل ذلك المغريات ـ كما يطلق عليها برنارد ـ و هي تعني الحوافز التي من شأنها أن تحفز الأفراد و الجماعة على العطاء.إن برنارد يشيد بأهمية الحوافز كوسيلة مهمة لتحريك دوافع العمل لدى الأفراد ، لأن ـ حسبه ـ الفرد يهتم كثيرا بنوعية المزايا التي يحققها مقابل تعاونه مع التنظيم في انجاز أهداف معينة ، و التي يريدها أن تكون تساوي أو تفوق ما يبذله من جهد ، على الأقل من وجهت نظره هو.إذن مشكلة إدارة الموارد البشرية لدى برنارد يحصرها في محاولة استقطاب أكبر مساهمة ممكنة من الأفراد و هذا ما يعتمد ـ في نظره دائما ـ على نوعية الحوافز التي يقدمها التنظيم و مدى اقتناع الأفراد بها، أو مدى تلبيتها لاحتياجاتهم غير المشبعة.و يطرح برنارد في هذا الشأن أنواع المغريات بالشكل الآتي: (5)Ø المغريات المادية مثل النقود و غيرها من المزايا المادية ذات القيمة.Ø المغريات الشخصية غير المادية، كالفرص المتاحة للتقدم و التفوق و الوصول إلى مراكز السيطرة في التنظيم.Ø طرق العمل المادية الملائمة، و التي تعتبر أيضا من المغريات التي قد تكون لها أهميتها في بعض الأحيان.Ø المغريات المعنوية مثل التقدير للجهود المبذولة و الشعور بالخدمة و الولاء للتنظيم.Ø حافز الارتباط الجماعي و الشعور بالانتماء إلى جماعة تؤيد الفرد و تحميه.Ø حافز المشاركة و الشعور بالأهمية نتيجة الإسهام في اتخاذ القرارات.و يحدد برنارد بعض الطرق التي يلجأ إليها التنظيم للحصول على اقتناع الأفراد بالحوافز المتاحة ـ كما يشير إليه على السلمي ـ بالقهر أو الترويج لهذه الحوافز و تبريرها لكي يقبل عليها الأعضاء ، أو العمل على خلق الدوافع و الرغبات المناسبة للحوافز من خلال عمليات التعليم و التدريب. II. تالكـوت بارسـونزT.Parsons : بنيت مساهمة بارسونز جملة من الأفكار التي تنطلق أساسا من فكرة أن التنظيم عبارة عن نسق اجتماعي طبيعي يتكون من : 1. وحدات فرعية (أقسام ، وظائف ، جماعات مهنية ، إدارات) ، و هي في نفس الوقت وحدات فرعية داخل نسق اجتماعي أكبر (اقتصادي ، سياسي ، ...)2. أوجه نشاط رسمية موجهة نحو انجاز هدف محدد.3. يتوافر في التنظيمات و سائل لحل المشاكل التي تواجهها في المحافظة على أنماط العلاقات الداخلية.4. التنظيمات أنساق فرعية توجد في بيئة.نظرية بارسونز تتعامل مع التنظيم بوصفه نسق مفتوح يؤثر و يتأثر بالبيئة الخارجية ، التي يحصل منها على مدخلاته و يصرف فيه منتجاته. و لكي يقوم النسق الاجتماعي( أو التنظيم) بوظيفته على أكمل وجه، يقول بارسونز أنه بحاجة إلى توفر جملة من المتطلبات ، يحددها في أربعة أساسية، اثنان منها يهتمان بالعناصر الخارجية للنسق و هما: المواءمة( التكيف) و تحقيق الهدف ، و اثنان آخران يرتكزان حول استقرار و توازن النمط و هما : التكامل و الكمـون.1. التكيف أو المواءمة: و يشمل كافة الوسائل التي يستعين بها التنظيم في أن يحصل من بيئته على ما يحتاجه بناؤه لاستمرار يته.2. انجاز أو تحقيق الهدف :و يشمل كافة الوسائل التي تساعد التنظيمات على انجاز أهدافها المحددة.3. التكامل : و الذي يتمثل في كشف الوسائل التي يمكن أن تتفق بها أوجه نشاط الوحدات الفرعية التي يتكون منها النسق مع أوجه نشاط الوحدات الأخرى في مستويات أخرى.4. الكمون: أو ما يطلق عليه بإدارة التوترات و المحافظة على النمط.هذه هي إذن ـ حسب بارسونز ـ أهم المشكلات التي يمكن أن تواجه التنظيم ، أو بصفة أدق ، التي تواجه أعضاء الإدارات الذين يهمهم جدا معرفة المشاكل و تحديدها حتى يتمكنوا من اتخاذ القرارات السليمة لحلها من أجل ضمان الاستقرار و الاستمرارية، و التي تعتمد أساسا على فكرة تحقيق الأهداف.لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا ، عن الحلول التي يقترحها بارسونز لمواجهة هذه المشاكل الرئيسية التي تواجه التنظيم ؟ أو بعبارة أخرى ، ما هي التحليلات التي يقترحها نموذج بارسونز للإداريين المسئولين عن التنظيمات المختلفة حتى يتمكنوا من مواجهة هذه المشاكل الأربعة؟" يحلل بارسونز النماذج الأربعة و يقول أن مطلب التكيف أو المواءمة في التنظيم يقابله أو تعبر عنه مشكلة تدبير كل الموارد البشرية و المادية لتحقيق الأهداف ، و مطلب تحقيق الهدف يتحدد في حشد الموارد التنظيمية من أجل تحقيق الأهداف ، هذه الموارد التي يكون قد تم تدبيرها في تحقيق مطلب المواءمة و التكيف ، و النجاح في تحقيق الهدف يعتمد بدرجة كبيرة على ملائمة الوسائل للغايات و الأهداف"(6)
أما عن مطلب الكُمون فيتفرعْ إلى مطلبين آخرين هما : 1. تدعيم النمط: و الذي يتعلق بمدة الانسجام و التطابق بين الأدوار التي يؤديها الفرد في التنظيم و الأدوار التي يقوم بها في الجماعات الخارجة عن التنظيم (المجتمع) ، مما يفرض ضرورة وجود ميكانيزمات تساعد على خلق الانسجام و التوازن النسبي بين التوقعات التنظيمية و التوقعات التي تحدث خارج نطاق التنظيم.2. مطلب احتواء التوترات التنظيمية :و استيعابها الذي يتحقق من خلال ضمان وجود دافعية كافية لدى الفرد لكي يستطيع أداء مهامه التنظيمية (7) [بتصرف] لقد أفاد بارسونز كثيرا الفكر الإداري من خلال تحليله للنسق التنظيمي من وجهة نظر نظامية ثقافية منطلقا من القيم و الطابع النظامي ، أين نادي بضرورة أن تنسق القيم التنظيمية مع قيم المجتمع ، لأن هذه الأخيرة هي التي تعطي صفة الرشد للأولى. وصفات النسق التنظيمي و خصائصه تتحدد في: 1. ضرورة وجود القيم في الأنساق التنظيمية لأنها تلعب دورا وظيفيا يعمل على ديمومة و استقرار التنظيم.2. أهمية الجماعة و الدور التنظيمي، و اعتبار نسق القيم أساسي و هام في التنظيم نظرا لمشاركة الأفراد في وظائف التنظيم.و في هذا الصدد بالضبط يحدد بارسونز مجموع القيم التي تواجه شاغلي الأدوار في التنظيمات ، و التي على الإدارة أن تنتبه إليها أثناء تعاملها مع الأفراد كالآتي: ¨ قيم النسب في مقابل قيم الإنجاز.¨ قيم الانتشار في مقابل قيم التخصص.
¨ قيم الاصطفائية في مقابل قيم العالمية.¨ قيم العاطفة في مقابل قيم الحياد.¨ قيم الاهتمام بالجماعة في مقابل قيم الحياد العاطفي.لأنه بناء على هذه القيم يمكن فهم سلوكات الأفراد داخل التنظيمات، و بالتالي يمكن التنبؤ بها مما يتيح فيما بعد التحكم بها و إخضاعها لخدمة أهداف التنظيم عامة.إن المتتبع لمساهمة بارسونز و نموذجه يجد أن فكرة الصراع عنده متجاهلة تماما ، لأن تركيزه كان منصبا على دراسة نتائج الفعل أكثر من دراسة أسباب حدوثه ، ففي فكرة الصراع تجده يهتم بما ينتج عن هذه الظاهرة و ليس أسبابها.III. روبرت ميرتون : R.Merton يمكن استنتاج مساهمات ميرتون في مجال الفكر التنظيمي من خلال جملة القضايا التي طرحها في تحليلاته الخاصة بالبناءات البيروقراطية في إطار المدخل الوظيفي، و التي يمكن تلخيصها في النقاط التالية: Ø البناء الاجتماعي لديه يتميز بطابع الرسمية و العقلانية في تحديد أنماط النشاط التي ترتبط في صور وظيفية لتحقيق أغراض و أهداف التنظيم التي يرمي إليها.Ø كل بناء تنظيمي حالة متكاملة من سلسلة من الوظائف مع قواعد و التزامات محددة.Ø ضرورة توفير عنصر الكفاءة و الفاعلية و تحديد المسؤوليات المختلفة. Ø السلطة قوة للضبط و التحكم داخل التنظيمات.Ø المكانة العلمية و المعرفية تتحدد حسب دور الفرد التنظيمي و تسلسله الإداري و المهني داخل بناءات التنظيم.(8) بتصرفبالرغم من أن ميرتون قد انطلق في تحليلاته من النظرية البيروقراطية إلا أنه ركز على الجانب الوظيفي لها ، و قال أن البيروقراطية برشدها و عقلانيتها و بتحديدها الأهداف المرجوة من التنظيم و تحديد المسؤوليات و تنظيم العمل ، فعلا تساعد على ضبط السلوك و التنبؤ به ، لكنها تهمل شيئا أساسيا في نظر ميرتون هو اتجاهات الأفراد و مشاعرهم و الجماعات غير الرسمية التي تتكون داخل التنظيم الرسمي ، و التي تلعب دورا مهما. انطلاقا من هذا يوضح ميرتون أهمية جماعات العمل غير الرسمية و يثبت وجودها و مدى مساهمتها في تحقيق الأهداف التنظيمية الرسمية ذاتها. و لا يقف عند هذا الحد فقط بل و يؤكد على أنها عوامل أكثر ديناميكية ذات أغراض تنظيمية هامة، فهو يهتم بالملامح البنائية للبيروقراطية و مدى أهميتها في الإدارة و التنظيم ، لكن ليس على حساب مشاعر و اتجاهات الأفراد ، لأن القواعد المعيارية المجردة تخلق نوعا من الصراع و التنافس بين الأعضاء الرسميين كالصراع على السلطة و التسلسل الإداري ، فبالضرورة عند حدوث ذلك تظهر الحاجة إلى جماعات غير رسمية ثانوية تكون مهمتها تنظيم العلاقات الاجتماعية و تهتم بشؤون الأفراد.إن روبرت ميرتون لم يسعى إلى "نفي صدق النموذج البيروقراطي لفيبر ، لكنه سعى إلى توضيح جانب آخر، هو النتائج التي تتخذ اتجاها معاكسا لأهداف الفعل و أسسه" (9)و التي تؤدي إلى جمود السلوك و صعوبة التكيف مع مهام الوظيفة (المعوقات الوظيفية).بهذا يمكن تلخيص ما قدمه ميرتون من مساهمة و تصور فيما يعرف بنظريته متوسطة المدى ، و التي تقوم على أساسا ثلاث مفاهيم و أضدادها ، و هي :1. الوظائف الكامنة أو غير المقصودة مقابل الوظائف الظاهرة.2. المعوقات الوظيفية مقابل الوظائف.3. البدائل الوظيفية.(10)IV. فيليب سلزنيكP.Salznick : أما سلزنيك الذي يعتبر من أكبر ممثلي الاتجاه البنائي الوظيفي ، فجاءت مساهمته مشابهة إلى حد كبير مساهمات تالكوت بارسونز و روبرت ميرتون ، يختلف عنهما فقط في أنه اعتمد في وضع نظريته على دراسة فيزيقية (أمبريقية) أجراها على منظمة التنسي فالي Tennessy authority في حين استند بارسونز و روبرت ميرتون إلى رؤية نظرية مجردة. ففي حين ركز ميرتون ـ كما مر ـ على القواعد الرسمية و تداعياتها الوظيفية " تركز تفكير سلزنيك حول فكرة هامة و هي أهمية البناءات غير الرسمية في البناء الرسمي التنظيمي، لما لها من آثار ايجابية . و هذا ما هو ملاحظ في التنظيمات الكبرى ، حيث توجد العديد من القواعد مدونة أو مكتوبة / مما يتطلب وجود الجماعات غير الرسمية كأنساق ضبط تظهر أهميتها خاصة في مراحل التحول التنظيمي و البعد عن القواعد التنظيمية"(11) بالإضافة إلى ذلك يؤكد سلزنيك على فكرة تفويض السلطة و ما يترتب عليها من نتائج غير متوقعة ، و في ذلك نجده ينطلق من قضية أساسية هي " أن التنظيم يواجه مطلب الضبط الذي تمارسه أعلى المستويات الرئاسية في التنظيم و هو ما يفرض بالضرورة تفويض دائم للسلطة ، بحيث يتخذ هذا التفويض طابعا نظاميا يترتب عليه نتائج مباشرة ، كزيادة فرص التدريب على الوظائف المتخصصة و اكتساب الخبرة و في ميادين محددة ، مما يمكن عضو التنظيم من مواجهة المشكلات و معالجتها."(12) و يذهب سلزنيك إلى أن البيروقراطية تواجه دائما الحاجة إلى تفويض السلطة لأنساق فرعية داخل التنظيم ( هذا الأخير الذي يتكون من مجموعة من الأنساق الفرعية) نظرا لتعقد مهام الإدارة و تعقد مسؤولياتها. بيد أن التفويض من جهة يؤدي إلى تمييع الأهداف العامة للتنظيم لأن وحداته الفرعية ستتجه أكثر فأكثر نحو تحقيق أهدافها الخاصة و اعتبارها غايات في حدذاتها.و مما يعبر عن اتجاه سلزنيك البنائي الوظيفي هو توضيحه لفكرة أن هناك نتائج وظيفية و أخرى غير وظيفية للتفويض ، أي معوقات وظيفية ، و عالج هذه الأخيرة بصفة مغايرة عن ما ذهب إليه ميرتون ، فأوضح النتائج المترتبة عن المعوقات الوظيفية و كشف عن الميكانيزمات المعالجة لهذه المعوقات من خلال تجربة منظمة التنسي فالي ، التي لجأت إلى إشراك الأطراف المتعددة في عملية اتخاذ القرار ، حتى يكون القرار جماعي.و يلفت سلزنيك نظر الإداريين إلى فكرة أن الأفراد داخل النسق التنظيمي يميلون إلى مقاومة كل معاملة لهم باعتبارهم وسائل ، و هم يتفاعلون كجماعات و يعملون على تحقيق أهدافهم و حل مشاكلهم. و مما يتضمنه البناء الرسمي بطبيعة الحال الكثير من العناصر العقلانية التي تظهر في السلوك التنظيمي للأفراد ، مما يتطلب وجود نسق تعاوني بين مختلف بناءات التنظيم من أجل تحقيق التوازن الداخلي و الخارجي للسلوك، و تظهر الحاجة هنا إلى الجماعات غير الرسمية كأنساق ضبط غير رسمية تساهم في انجاز الأهداف التنظيمية الرسمية.ويضيف سلزنيك مشيرا إلى قضية أخرى هامة تتمثل فيما أطلق عليه بحاجات الأنساق ، حيث يقول " أنه لكي تشبع الأنساق حاجاتها تواجه من جانب أجزائها المكونة لمقاومة الأفعال التي لا تخدم أغراضها..."(13) ،كما أوضح بأن الاهتمام بالشخصية التنظيمية هو أحد المداخل الهامة لفهم العمليات التنظيمية بشكل واقعي، حيث تتداخل رغبات الأعضاء و تكيف مع البناء التنظيمي من أجل تحقيق النسق التعاوني.إن سلزنيك يهتم بكل من الفرد و التنظيم معا و اعتبارهم ككل طبيعي ، و اعتبار البناءات التنظيمية بناءات مختلطة لها نتائج سيكولوجية معقدة مما يتطلب ضرورة الموائمة أو التكيف الديناميكي للمتغيرات الداخلية و علاقاتها بالبيئة الخارجية من أجل معرفة الظروف الجديدة التي تطرأ كمشاكل تواجه كلا من التنظيم و أفراده، و تؤثر على تحقيق الأهداف العامة أو تنفيذ سياسات التنظيم.و يضيف سلزنيك في الأخير أن حاجات الأفراد لا ينبغي إشباعها عن طريق الفعل الواعي للأفراد ، بل عن طريق النتائج غير الواقعة لأفعالهم ، و هكذا تنشأ البدائل الوظيفية عندما لا نستطيع إشباع الحاجات بطرق مقبولة ثقافيا. إذن فهو يعتمد على الميكانيزمات اللاشخصية التي من خلالها تؤدي التنظيمات وظائفها أكثر من اعتمادها على الدافعية ( التي لم يغفلها تماما)، فهو يقول " ... علينا في مثل هذه الظروف أن نحلل السلوك الصادر من أعضاء التنظيم قي ضوء استجابة التنظيم لحاجاته و تلبيته لها".(14) و يؤكد ذلك أيضا في عبارة أخرى "... إنني لعلى يقين من أن النسق هو الذي يستشعر الحاجات ، و هو الذي يستجيب لها ، و هذا هو ما جعلني أؤكد الطابع العضوي للتنظيم و أنظر إليه بوصفه نسقا تعاونيا . إن التنظيم ككل هو الذي يصل إلى القرارات و هو الذي يقوم بالأفعال و هو الذي يحقق التكيف على أوسع نطاق و إلى أبعد مدى" (15) V. ألفـــــن جولدنـر A. Goldner: تستمر تحليلات البنائية الوظيفية للتنظيم و محاولات فهم سلوك أفراده هذه المرة مع ألفـن جولدنر واحد من أبرز ممثليها كذلك ، الذي ينطلق كسابقيه دائما من تحليلات ماكس فيبر ،لكن هذه المرة حاول جولدنر اختبار متضمنات نظرية فيبر واقعيا ، من خلال تجربة قام بها بأحد مصانع الجبس بأمريكا ، التي أورد نتائجها في كتابه ( أنماط البيروقراطية في الصناعة) ، والذي أورد فيه أن ماكس فيبر قد أخلط بين أنماط السلطة القانونية ووضعها كما لو كانت نمطا واحدا، أي أن "النموذج البيروقراطي استخدمه فيبر كأداة نهائية بدلا من أن يستخدم كمجموعة من الفروض التي يتعين التحقق منها من خلال النتائج التجريبية"(16)من هذا الرأي فرق جولدنر بين ثلاثة أنماط من القواعد البيروقراطية: 1. القواعد البيروقراطية النيابية: و فيها توضع القواعد القانونية بالاتفاق بين الرئيس و المرؤوس ، و يعكس هذا النمط رضا الإدارة و العمال و يرتكز على أسس ديمقراطية ، و يعتمد عليها كثيرا لمنع الصراعات و التوترات المحتمل نشوؤها داخليا.2. القواعد البيروقراطية الجزائية أو العقابية: و هي تفرض القواعد على الأفراد، و تستمد شرعيتها من جانب الهيئة الإدارية المتواجدة في البناء التنظيمي نفسه. (17) 3. القواعد البيروقراطية المزيفة: و فيها تفرض القواعد و اللوائح التنظيمية من هيئات أو جهات خارجية، بمعنى أن لا دخل لإدارة التنظيم أو عماله في وضع أو تحديد القواعد التنظيمية و السياسية الخاصة بالمنظمة.من هنا يتضح أن جولدنر قد كشف عن الخلط الذي وقع فيه فيبر، هذا الأخير الذي لم يميز بين القواعد القانونية التي تفرضها السلطة وبين تلك القواعد التي يتم الاتفاق عليها بين الرئيس و المرؤوس.و إذا رجعنا إلى نتائج جولدنر في دراسته التي أجراها في مصنع الجبس الأمريكي ، نجده قد توصل إلى نتيجة مفادها أن القواعد البيروقراطية العقابية أو الجزائية هي النمط الذي كان يسود المصنع ، و ما يلفت النظر هنا هو اكتشافه أن كل من الرؤساء و المرؤوسين كانوا يستخدمون هذه القواعد لأهداف مختلفة ، ففي حين يستخدمها الرؤساء بهدف العقاب ، يستخدمها المرؤوسون من أجل المساومة ، بمعنى أن هذا النمط من القواعد البيروقراطية ـ كما يشير إلى ذلك الدكتور طلعت إبراهيم لطفي في كتابة (علم الاجتماع الصناعي) قد تنطوي على معوقات وظيفية أو صراعات ، لأن القيم المستندة إليها لا تلقى قبولا من كل عضو في التنظيم كما هو الحال بالنسبة للقواعد البيروقراطية النيابية. و يوضح جولدنر في نفس السياق ، أن التنظيم الذي يعتمد على نمط البيروقراطية النيابية يلجأ إلى تزويد العاملين فيه بالعلم و الثقافة المتخصصة و التدريب، و غالبا ما يرجع الانحراف عن القواعد البيروقراطية النيابية إلى جهل العاملين و عدم إلمامهم بهذه القواعد التي تلقى قبولا عاما من جميع الأفراد الذين اتفقوا على وضعها.(18) إن لب مساهمة ألفن جولدنر فيما يخص إدارة الموارد البشرية بالتنظيم يتمحور أساسا حول القواعد البيروقراطية الجزائية و النيابية ، و على كل هيئة إدارية أو تنظيمية أن تنتبه إلى هذين النموذجين من القواعد حتى تستطيع السيطرة و تحقيق الأهداف.لكن يبقى أن نشير في الأخير أن النموذجين السابقين اللذين طرحهما جولدنر (حسب السيد الحسيني في كتابه علم اجتماع التنظيم) يكشفان عن استحالة التوصل إلى معايير مقبولة. و لكي يتجنب جولدنر هذا القصور بحث عن بعد آخر هو تعاقب قادة التنظيم ، الذين أعزى إليهم في الأخير موضوعية القواعد البيروقراطية.VI. بيتــر بـلاو P.Blau : عرض بـلاو أفكاره و آرائه حول التنظيمات في كتابه ( ديناميكية البيروقراطية) الذي أشار فيه للدراسة الأمبريقية التي قام بها على هيئتين حكوميتين تنظيميتين ، توصل من خلالها إلى عدة نتائج هامة توضح طبيعة البناءات الداخلية و الخارجية للتنظيم المدروس و زيادة لفهم الواقع التنظيمي من خلال المدخل البنائي الوظيفي ، و لقد كشفت تحليلاته عن عناصر و متغيرات هامة لمعرفة الجوانب التنظيمية مثل التكيف و المواءمة الداخلية للعناصر البيروقراطية ، و توصل أيضا لإدراك مدى تأثير التغيرات التي تطرأ على الموقف الخارجي و أنه لا يعتبر العامل الوحيد المؤثر على البناءات الداخلية و إحداث التغير فيها، لأن معظم تلك البناءات لها إجراءات و أغراض معينة، و لها نتائجها الخارجية عن التنظيم و الأفراد أيضا. و بالرغم من وجود الانجازات الموضوعية للوظائف الداخلية، هناك أيضا الجوانب غير الوظيفية، و من الصعوبة تحقيق التكيف التام نظرا للتغيرات التي تحدث على طبيعة الوظائف و الأساليب الإدارية. (19)ويركز بلاو على ضرورة وجود التماسك أو التضامن الاجتماعي الذي يقوم أساسا على المساواة في المكانة ، و اعتبار التعاون مظهرا تنظيميا باعتباره مصدرا هاما للتماسك بين جماعات العمل.و يعرض بيتر بلاو مجموعة من المقترحات من شأنها القضاء على الخلل الوظيفي و تحقيق التكيف بالشكل الآتي:(20) 1. تحديد حدود معينة لضمان سلامة العمل التنظيمي.2. أهمية التوجيه المهني لتأدية الوظائف و انجازها.3. إقامة جماعات العمل غير الرسمية.4. العمل على حل الصراع التنظيمي.5. أهمية توزيع الأعمال حسب المتطلبات الوظيفية التنظيمية.هذه الاقتراحات الخمسة التي تعمل على إعادة التكيف مع المتغيرات التي تظهر على المستوى الداخلي و الخارجي للتنظيمات.VII. أميتـــاي اتـزيوني A.Etzioni:تتمحور مساهمة اتزيوني حول مفهومين أساسين نادى بهما كعمليات لا مفر منها في التنظيمات مهما اختلفت ، و هما ظاهرتا الاغتراب و الصراع ، حيث يؤكد على أنهما عمليتان مرغوبتان في بعض الظروف. لأنه ينطلق كذلك من فكرة أساسية هي أن التنظيم وحدة اجتماعية معقدة يتفاعل داخلها جماعات اجتماعية متباينة و كثيرة ، هذه الأخيرة تشترك في بعض الاهتمامات و المصالح و لكنها في الوقت نفسه تحتوي على مصالح و اهتمامات متعارضة ، خاصة إذا ما تعلق الأمر بطريقة توزيع الأرباح و الفوائد في التنظيمات ( على حد رأي الدكتور عبد الحميد رشوان) و نفس الجماعات تلك نجدها تشترك في بعض القيم القومية ، و تختلف على أخرى. إذا فهذه الجماعات أثناء نشاطها ـ وفقا لما ذكرـ قد تتعاون في مجالات معينة أين تكون الاهتمامات و المصالح مشتركة ، و تتنافس في المجالات الأخرى التي تتعارض فيها المصالح.و يشير اتزيوني إلى أن أكبر الجماعات التي يحدث بينها الصراع على المصالح هما جماعة العمل و جماعة الإدارة " و جهود الإدارة نحو جعل العامل يؤدي عمله ، قد يجعل هذا الأخير يعيش حالة من الغربة اتجاه هذا العمل، فهو لا يملك وسائل الإنتاج ، و يفتقر إلى كل فرصة للابتكار و التعبير عن الذات نتيجة لرقابة و تكرار العمل الذي يؤديه ، و لأن عمله أصبح لا معنى له ، و لم يعد له إلا قدر ضئيل من التحكم في وقته و في المكان الذي ينجز فيه هذا العمل ، و تميز حالة الغربة هذه كل التنظيمات"(21) و يذهب اتزيوني على غرار روبرت ميرتون إلى ضرورة وجود نظريات متوسطة المدى في التحليلات التنظيمية التي من شأنها أن تجمع بين مستويات التحليل النظرية المجردة في مجال التنظيم و بين الدراسات المهتمة بحالات فردية أو ظاهرة تنظيمية واحدة، مما ينتج عن استخدام كثير من نماذج التحليل المقارنة للأنواع التنظيمية.(22) وقد ركز أيضا على متطلبات التغيير المستمر التي تطرأ على التنظيمات و أشار إلى وجود صلة وثيقة بين متطلبات التنظيم و متطلبات الأفراد، و ذلك من خلال أنماط الأداء و الكفاءة و الفعالية و الانجاز و الإشباع التام لدى كل من الأفراد و التنظيم معا. كل ذلك يتم في إطار محدد ذي قواعد ضبط مميزة من أجل نجاح التنظيمات في تحقيق أهدافها و زيادة فاعليتها و كفاءتها.و يوضح اتزيوني أنه توجد عدة تصنيفات لعناصر الضبط الاجتماعي و التنظيمي ذات أبعاد تحليلية واضحة، فيزيقية و مادية و رمزية، تتحدد حسب الوضع الإداري الذي يشغله الفرد و المكانة التنظيمية التي يحتلها ، و تختلف أنواع الضبط حسب أنواع التنظيم سواء كانت التنظيمات معيارية أو تعبيرية أو نفعية ، و لكل منها إطار من القواعد الرسمية التي تحدد عناصرها و عملياتها الداخلية.(23)كما هو ملاحظ و من دون أدنى شك أن تحليلات ايتزيوني تؤكد على أهمية المدخل البنائي الوظيفي ( شأنه في ذلك شأن كل من سشتر برنارد ، تالكوت بارسونز، روبرت ميرتون ، فيليب سلزنيك و ألفن جولدنر ) في دراسة التنظيمات ، لكن ما يفرقه عنهم إضافة إلى ما تقدم ذكره من أفكار ، هو تركيزه على التحليل المقارن و إقامة النماذج التحليلية الأكثر واقعية و التي تؤدي إلى إثراء النظرية التنظيمية عموما.ثانيـا . النظريـــة المعدلـة: و يندرج تحتها أعمال كل من باك و كريس أرجريس و وليام وايت و رنسيس ليكرت ، الذين ركزوا على فكرة التفاعل بين الأفراد و الجماعات ، في محاولة منهم دائما لفهم سلوك الفرد داخل التنظيم، فكانت مساهمتهم بهذا الشكل: I. نظريـة التنظيم الاجتماعي لـ:" بـاك " White Bakke: يركز باك في دراسته للتنظيم على ما يطلق عليه بالتفاعل أو كما يسميه البعض بمرحلة الاندماج التي تهدف إلى الربط بين أهداف الأفراد العاملين بالمؤسسة و أهداف المؤسسة ذاتها ، فبـاك يعتقد أن الفرد إنما ينضم إلى المؤسسة بغية شيء واحد، و هو تحقيق أهدافه الشخصية آملا أن يستعمل المؤسسة لذلك، في نفس الوقت التي تحاول فيه المؤسسة من جهتها تحقيق أهدافها عن طريق الأفراد العاملين لديها،و في مرحلة الانصهار أو الاندماج كما يطلق عليها ، نجد أن كلا من المؤسسة و الأفراد يؤثر كل منهما في الآخر ما ينتج نوعا من الارتباط، هذا الأخير الذي أطلق عليه باك بروابط المنظمـة Bonds of Organization و يقصد به التنظيمين الرسمي و غير الرسمي.بأسلوب آخر يرى محمود حنفي سليمان في كتابه "وظائف الإدارة" في هذا الصدد بالذات أن عملية التفاعل التي تحدث من خلال الاندماج السالف الذكر بين أهداف المنظمة و أهداف الأفراد العاملين بها يقصد بها: " تلك العملية التي من خلالها تستطيع المنظمة أن تغير الفرد لصالحها و التي من خلاها أيضا يستطيع الفرد أن يؤثر على المنظمة لصالحه هو " (24) لقد ركز "باك" على مفهوم التنظيم الاجتماعي و التكوين الداخلي له حيث عرف التنظيم على انه: " نظم مستمر من الأنشطة الإنسانية المتميزة و المتناسقة التي تستخدم مجموعة من الموارد الإنسانية ; المادية و المالية و الفكرية و الطبيعية في نظام متميز فريد لحل المشكلات ، و يعمل على إشباع بعض الرغبات الإنسانية متفاعلا مع غيره من النظم في البيئة المحيطة به" (25)أي أن الأفراد (الموارد البشرية) عند بـاك هم العنصر الأساسي أو المورد الرئيسي للتنظيـم، و هم بما يتمتعون به من دوافع و اتجاهات و ميول، بالإضافة إلى تكوينهم الجسماني و قدراتهم الفسيولوجية إنما يمثلون واحدا من المتغيرات المحددة للسلوك التنظيمي. إذا التنظيم عند باك نظام مفتـوح يتكون أساسا من الأنشطة و العلاقات الإنسانية، يتفاعل و يعتمد مع/على غيره من التنظيمات المحيطة به أثناء سعيه لتحويل المدخلات التي يحصل عليها من المحيط الخارجي إلى مخرجات في النهاية.و يحدد باك مكونات التنظيم في : (26)1. ميثـاق التنظيـم: و هو الذي يميز التنظيم عن غيره من التنظيمات الأخرى، حيث يحدد هذا الميثاق اسم التنظيم ووظيفته، و الأهداف الرئيسية له، و القيم التي يستند عليها و الرموز التي يرتكز عليها لتأكيد أهدافه.2. الموارد الأساسية: و هي ما يستخدمه التنظيم في أداء وظائفه و تحقيق أهدافه و تشمل العناصر الإنسانية ( التي أعطاها باك أهمية كبيرة) و العناصر المادية (المواد الخام و المعدات و الآلات) و العناصر المالية و الفكرية و الطبيعية في المجتمع المحيط به.3. الأنشطة : و هي التي يمارسها التنظيم و تهدف إلى الحصول على الموارد لتحويلها إلى منتجات يعرضها التنظيم على المجتمع مرة أخرى. و يدخل ضمن هذه الأنشطة، الأنشطة الإنتاجية و الأنشطة الرقابية و الأنشطة الخاصة بالمحافظة على توازن التنظيم و استقراره... 4. روابط التنظيم : و تشير هذه الفكرة إلى التداخل و الاعتماد المتبادل بين أجزاء التنظيم المختلفة و عناصره المتفاعلة.ويحدد باك أنواع الأفراد التي يراها تشكل أهمية بالغة للتنظيم و لسلوكه في :v الأفراد العاملين في التنظيم حاليا.v الأفراد المحتمل انضمامهم لعضوية التنظيم.v الأفراد العاملين مع التنظيم و بالتالي يساهمون في أداء وظائفه و تحقيق أهدافه.و يوضح باك أن العناصر البشرية في التنظيم تتأثر بطبيعته و تكوينه، كما يركز في تناوله للعنصر البشري إضافة ـ إلى الجانب الفسيولوجي الطبيعي له ـ على الجانب النفسي و الاجتماعي، وهذا ما يخالف نظرة أصحاب النظريات الكلاسيكية الذين اغفلوا الإنسان و دوره في التنظيم و اقتصارهم فقط على دراسته من النواحي الفسيولوجية و حسب.II. نظرية التناقض بين الفرد و التنظيم لكريس أرجيرس C.Argyris :كأحد ممثلي النظرية الإدارية المعدلة حاول أرجيرس تفسير السلوك الإنساني في المنظمات كمقدمة للتنبؤ به و التحكم فيه. و السلوك الإنساني في التنظيمات المختلفة في رأي أرجيرس إنما هو حصيلة جملة من العوامل التي إما يكون تفاعلها تفاعلا منفردا أو تفاعلا مع الغير ، و هذه العوامل هي : (27)1. عوامل فردية متصلة بالشخصية الإنسانية.2. عوامل تتعلق بالجماعات الصغيرة غير الرسمية... و هذا يتطلب دراسة الجماعات.3. عوامل تنظيمية رسمية ... التي تتطلب التعرف على الأساليب التقليدية للتنظيم.و لأهمية هذه العوامل يرى أرجيرس أنه من الضروري التعرض لها بالبحث و الدراسة كأساس لفهم السلوك الإنساني في التنظيم . كما يوضح أن العنصران الأساسيان في أي تنظيم هما: الإنسان أو الفرد و التنظيم الرسمي. و اعتمد في توضيحه للعلاقة بينهما على أن هناك تناقضا أساسيا بين ما يطلق عليه متطلبات الشخصية الإنسانية النامية و بين خصائص التنظيم الرسمي ، هذا التناقض الذي تزيد حدته كلما طبقت مبادئ التنظيم الكلاسيكي بحذافيرها ، فأرجيرس يعتقد أن الجو الذي يعمل فيه الإنسان تحت نظام مثل ذاك يتناقض مع الشخصية الإنسانية النامية و المتطورة، كما يطلق عليها. من هذا المنطلق يرى أرجيرس أن المتنفس الوحيد للأفراد و الجماعات لحماية أنفسهم من الضغوطات التي تفرضها متطلبات النظام الرسمي، هو اللجوء إلى تكوين الجماعات غير الرسمية Informal Orgnanization ، و في الوقت نفسه لا يرفض فكرة التنظيم الرسمي كلية و إنما يشترط تعديله بطريقة تخفف من آثاره على الفرد ،مشيرا إلى أن الإنسان يميل إلى التكيف مع تلك الأوضاع التي يفرضها عليه التنظيم الرسمي باستعمال أساليب مختلفة على مستوى الفرد و على مستوى الجماعات كما يلي :(28)على مستوى الفرد : 1. يسعى الفرد إلى ترك التنظيم كلية.2. يحاول أن يتسلق السلم التنظيمي، أي أن يصل إلى مركز إداري أعلى حيث يتخلص من جانب كبير من ضغوط التنظيم الرسمي الذي يتركز عبئها على المستويات الدنيا في التنظيم.3. . أن يستخدم أيا من الوسائل الدفاعية التي في حوزته : كالعداونية ... و غيرها.4. أن يصبح مستهترا و غير عابئ بشيء ـ متكاسل و لا يهتم بالتنظيم و أهدافه.5. الانضمام إلى الجماعات غير الرسمية لحمايته من التنظيم الرسمي.على مستوى جماعات العمل: 1. تقييد الإنتاج و تخفيض الجهود المبذولة في العمل.2. إعطاء الطابع الرسمي للجماعات الصغيرة و ذلك بتكوين النقابات لمواجهة سيطرة التنظيم الرسمي بتنظيم رسمي مماثل.3. التركيز في معاملاتهم مع التنظيم على الأجور و المزايا الاقتصادية الأخرى ، أي أن الإنسان ذو الشخصية النامية حين تعترضه خصائص و متطلبات العمل في التنظيم الرسمي غير الملائمة فإنه يعمد إلى تكوين الجماعات غير الرسمية، لأنها تساعده على تحقيق مزايا عديدة منها: · تقليل درجة اعتماده و خضوعه و سلبيته بالنسبة لإدارة التنظيم الرسمي.· تقليل احتمالات تعرضه لتصرفات تحكمية من أصحاب السلطة في التنظيم، فهو يحتمي في الجماعة.· ايضا من شان الجماعة غير الرسمية أن تسمح للفرد بفرصة التعبير عن مشاعره المختلفة التي لا يستطيع أن يعبر عنها بصراحة. · التنظيم غير الرسمي يكوٌن عالما خاصا للفرد تنمو فيه شخصيته الإنسانية دون قيود أو ضغوط.إذن ما نستنتجه مما سبق أنه على الإداريين في معاملتهم مع الأفراد أن لا يتبعوا متطلبات التنظيم الرسمي طبقا للنظرية التقليدية حرفيا دون النظر إلى النتائج النفسانية التي تؤثر على الأفراد ، بل من الضروري التوصل إلى أمر وسط بين رغبات الفرد النامي (بمفهوم أرجيرس ) و متطلبات التنظيم الرسمي، و لعله لتحقيق هذا التقارب المنشود ـ حسب أرجيرس ـ يفترض إتاحة فرص للتفاعل بين الأفراد في التنظيم إلى أقصى قدر ممكن ، و جعل خطوط الاتصالات عبر التنظيم مفتوحة و متشابكة بحيث يندمج التنظيمين الرسمي و غير الرسمي ،و كذلك التوسع في استخدام أسلوب اللجان كوسيلة لإدماج الفرد في التنظيم. من هنا بدأت فكرة الإدارة بالأهداف تتبلور.و لأهمية ما جاء به ارجيرس نورد فيما يأتي شكلا ملخصا لأهم ما طرحه من أفكارـ كما جاءت في كتاب تطور الفكر التنظيمي لعلي السلمي ـ في شكل نصائح مباشرة لمن يدير مجموعة من الأفراد في أي تنظيم:1. هناك تناقض جذري بين حاجات الشخصية الإنسانية و بين متطلبات التنظيم الرسمي.2. أن نتيجة هذه التناقض هو الإحباط ، الفشل ، الصراع، قصر النظر بالنسبة للأفراد.3. في بعض الظروف المعينة تميل درجة التناقض بين الشخصية الإنسانية و بين التنظيم الرسمي إلى الازدياد. و يحدث هذا في الحالات التالية : - كلما زد معدل نضج الشخصية الإنسانية.- كلما أنخفض المستوى الإداري أو التنظيمي للفرد.- كلما زاد استخدام أسلوب القيادة الآمرة.- كلما زادت حدة الرقابة الإدارية.- كلما زادت درجة التخصص في العمل.4. أن طبيعة مبادئ التنظيم التقليدية تجعل الأفراد على اختلاف مستوياتهم يعانون من المنافسة ، الحقد ، العداوة ، و تضائل الشخصية و تنمية التركيز الجزئي بدلا من التركيز على الكل.5. أن السلوك الإنساني يدعو الفرد إلى الاحتفاظ بتكامل شخصيته و التكيف مع الظروف في ذات الوقت الذي يعرقل تكامله مع التنظيم الرسمي.6. أن السلوك الإنساني الرامي إلى التكيف له آثار تراكمية ، حيث يؤثر مرة أخرى في التنظيم الرسمي.7. أن فلسفة الإدارة في بعض الأحيان تجعل الأفراد يمعنون في سلوكهم المعادي للتنظيم الرسمي. حيث إمعان الإدارة في استخدام أسلوب العلاقات الإنسانية غير الصادقة يؤدي إلى زيادة الانفصال بين الإدارة و بين الأفراد في التنظيم.8. و أخيرا هناك بعض الأساليب الإدارية التي تستطيع أن تخفف من حدة الانفصال بين الإدارة و العاملين ، من بينها : - استخدام أسلوب القيادة الذي يركز على الأفراد و مشاكلهم.- تكبير العمل حتى يتاح للفرد انجاز عمل متكامل.- تخفيف حدة الرقابة الإدارية.III. نظرية التفاعل لـ" ويليام وايت William white":لم يختلف ويليام فوت وايت عن باك و أرجيرس في تناوله للتنظيم و تركيزه على السلوك الإنساني داخله ، حيث و كماي يتبين من خلال اسم النظرية، ركز وايت في مفهوم للتنظيم على تداخل ثلاثة مفاهيم تؤثر و تتأثر ببعضها و هي : (29)1. مفهوم التفاعل: و الذي يرمز به إلى الاتصالات التي تتم بين الأشخاص المختلفين و التي يمكن ملاحظتها و تحديد تأثيرها على السلوك الإنساني.2. مفهوم الأنشطة: و هي تلك التصرفات الإنسانية و الأشياء التي يفضلها الناس، أي التصرفات المادية المشاهدة و القابلـة للقيـاس.3. مفهوم المشاعر: و تعبر عن الكيفية التي يشعر بها الناس بالعالم المحيط بهم و كيفية إدراكهم لجوانبه المختلفـة. و يحدد وايت هنا عناصر المشاعر في ثلاثة هي:- العنصر الفكري، بمعنى فكرة أو مبدأ أو عقيدة عن شيء معين.- العنصر العاطفي.- الاتجاه أو السبيل للتصرف أو العمل.يؤكد "وايت" على أن هذه المفاهيم الثلاثة متداخلة و تؤثر في بعضها البعض و هي لا تتم بطرقة عشوائية ، بل تتم وفق نمط منتظم و كما يقول فإن التغيير في نمط التفاعل بين الأفراد داخل التنظيم يحدث تطويرا في أنماط الأنشطة و المشاعر.و يضيف أن هذه السلسلة من التفاعلات، الأنشطة و المشاعر، لا تمثل نظاما مغلقا و إنما هي نظام مفتوح تتأثر كثيرا بما يجري في البيئة أو المجتمع المحيط، هذا الأخير (المجتمع) الذي يشتمل حسب "وايت" على البيئة القانونية و البيئة الاقتصادية و البيئة التكنولوجية و التي تتخذ شكل المحرك الرئيسي للسلوك الفردي داخل المنظمة.IV. نظرية الدافعيــة لـرنسيس ليكرتRensis Likert: تولي نظرية الدافعية أهمية بالغة للعنصر البشري في التنظيم ، حيث تعتبره الحجر الأساسي الذي يبنى عليه حاضره و مستقبله ،و السلوك الإنساني لدى ليكرت هو محدد فعالية التنظيم و انجازاته، و عليه يرى بضرورة الاهتمام بهذا العنصر الفعال بغية الوصول إلى الفعالية المنشودة التي تحقق الأهداف.كسابقيه من العلماء السلوكيين يركز ليكرت كعالم نفس اجتماعي على الجانب السلوكي في الإنسان، فحسن إدارة العنصر البشري لديه يترجم في حسن توجيه سلوكه نحو العمل و هذا لا يتم إلا بالاهتمام بفكرة الدافعية كعنصر مهم جدا في توجيه سلوك الأفراد .فبعد الأبحاث و التجارب التي قام بها و زملائه في جامعة ميتشجان بهدف كشف أسباب و عوامل تباين و اختلاف الكفاءة الإنتاجية لتنظيمات مختلفة، اهتدى ليكرت إلى نتيجة مفادها أن العامل الأساسي وراء هذه الاختلافات في الإنتاجية إنما هو نظام الإدارة الذي يتبعه المديرين ، فألئك الذين يطبقون النظام التقليدي في الإدارة اثبتوا فشلا ذريعا في إنتاجيتهم ، بينما أولئك الذين يتبعون نظاما معدلا هم الذين حققوا النجاح و الإنتاجية الأعلى.و عليه استنتج أن النظام الكلاسيكي في الإدارة المتبع من طرف بعض التنظيمات يمثل السبب الرئيسي في فشلها و تأخرها عن باقي التنظيمات التي تتبع نظما مختلفة. و خلافا للنظرية الكلاسيكية يقترح ليكرت نظريته المعدلة ـ كما يطلق عليها ـ كأسلوب بديل في الإدارة ، هذه النظرية و كما يظهر من اسمها إنما هي تعديل لجملة من الأسس التي جاءت بها النظرية العلمية المتمثلة في: (30)v القضاء على الإسراف و انخفاض الإنتاجية باستخدام أسلوب التنظيم الوظيفي.v تحديد معدلات محددة للأداء أو أهداف العمل.v قياس العمل المحقق بالأهداف المقررة.v استخدام أساليب الميزانيات و محاسبة تكاليف الرقابة.تركز النظرية المعدلة على ضرورة توفر قدر كاف من الدافعية في جميع أجزاء التنظيم كعامل ضروري و مهم لتحقيق الأهداف المسطرة و المقررة من طرف التنظيم. و هنا تبرز ضرورة التجـاء الإدارة إلى القواعد الأكثر فاعلية في إنتاج الدافع للعمل و الإنجـاز ، و كما يقول ليكرت :"إن النظرية المعدلة تدعو إلى أن تكون إجراءات تنفيذ الوظائف التنفيذية المختلفة من إشراف ، اتصال ، تدريب ، رفع أجور و اتخاذ قرارات ... كلها مبنية على أساس يؤكد و يدعم الدافع إلى العمل."(31)و تنقسم العوامل الدافعة عند ليكرت إلى : 1. عوامل تتعلق بالدوافع الاقتصادية.2. عوامل تتعلق بالدوافع الذاتية كالرغبة في الانجاز و التقدم.3. عوامل تتعلق بالدوافع إلى الأمن و الضمان.4. عوامل تتعلق بالرغبة في التجديد و الابتكار.تتخلص زبدة النظرية المعدلة في النتيجة التي يحددها ليكرت عندما يقول :"إن المرؤوسين في التنظيمات المختلفة يستجيبون بطريقة ايجابية و مرضية في المواقف التي يشعرون فيها بالتقدير و التأييد و التي يحصلون منها على شعور بأهميتهم و قيمتهم الشخصية ، كذلك فإن الأفراد يستجيبون بطريقة سلبية أو غير مرضية في المواقف التي تهددهم أو التي تقلل من شعورهم بقيمتهم الشخصية"(32)لم تتوقف مساهمة ليكرت عند هذا الحد بل تعرض في نظريته للتنظيم لمفهومي القيادة و العمل الجماعي فهو يرى بضرورة أن تتكون المنظمة من مجموعات و فرق عمل ، و ليس من إدارات و أقسام بالمعنى التقليدي ،على أن يتم ربط هذه الفرق بعضها ببعض من أدنى التنظيم إلى أعلاه ، ما أطلق عليه بالعضوية المزدوجة ،التي تتمثل في أن يقوم رئيس مجموعة العمل في المستوى الإداري الأدنى بالمنظمة برئاسة مجموعته و أن يكون عضوا في مجموعة العمل التي تعلوا مستواه التنظيمي مباشرة، هذا من ناحية ، و من ناحية أخرى فإن أسلوب العمل و اتخاذ القرارات على جميع المستويات داخل المنظمة يجب أن يسير وفقا لمنطق العمل الجماعي ، أي وفقا لمنطق المشاركة في الإدارة. (علي رأي حنفي محمود سليمان). العمل الجماعي عند ليكرت هو أساس تكوين العلاقات الإنسانية و على الإدارة العمل على تنمية هذا العمل الجماعي من خلال القيادة المرنة التي تساعد على خلق جماعات متعاونة يسودها روح الفريق ،و نظم الاتصالات الفعالة التي تربط كامل أجزء التنظيم بما يوحد أفكاره.و نظام المشاركة في الإدارة الذي يساعد على خلق الشعور بالانتماء و بالتالي الولاء و الالتزام و الإحساس بالمسؤولية و كذا الحوافر الجماعية. هكـذا فقط يتحول التنظيم إلى مجتمع متكامل يشكل وحدة مترابطة متساندة موحدة الأهداف و المصالح، و هذا هو هدف العلاقات الإنسانية في أي تجمع إنساني.خاتمـة : عموما يجمع العلماء الوظيفيون على عدد من المتغيرات و الخصائص العامة التي تحيط بالبناءات التنظيمية مثل: أهمية القواعد الرسمية و غير الرسمية وواجب الامتثال و الطاعة من قبل الأعضاء لتلك القواعد ، و أهمية المعرفة العلمية و التسلسل الإداري و أنساق الضبط و التحكم و تقسيم العمل ، و تحديد المسؤوليات و ضرورة الاهتمام بأنساق البيئة الخارجية التي تحيط بالتنظيمات، و أنساق التوازن و الاستقرار و تحقيق الدافعية ، و أهمية الإشباع عامة للتنظيم و الأفراد معا ، و التنسيق الداخلي للوظائف و اعتبار السلطة مرتبطة بأنساق المكانة القائمة على المساواة و الاهتمام بالصالح العام من أجل تحقيق الأهداف ، و إدراك طبيعة الصراع و تحليل مفهوم المتطلبات الوظيفية و احتياج الأفراد ووظائفهم و مشاعرهم و اتجاهاتهم و تطلعاتهم... و غيرها من التصورات العامة التي نتجت من تحليلاتهم النظرية و الأمبريقية و التي أفادت الفكر الإداري التنظيمي جدا.و النظرية الوظيفية لم تنشأ من فراغ ، و إنما استفادت من تحليلات النظريات التي سبقتها كثيرا ، و كانت بمثابة رد فعل حقيقي للنظريات التنظيمية و الإدارية الكلاسيكية و نظريات البعد الواحد ، فكانت تلك الدراسات بمثابة البداية التي أفسحت المجال أمام علماء النظريات الوظيفية و نقطة انطلاقهم ، ليفسحوا بدورهم المجال لمساهمات أتت بعدهم في مجال الاهتمام بتفسير الظواهر التنظيمية و فهم سلوك الموارد البشرية.
المراجع المعتمدة :T.Parsons. Suggestions for sociological Approach to the theory of Organization (1) (2) جبارة عطية جبارة : الاتجاهات النظرية في علم الاجتماع الصناعي، دار الوفاء لدينا الطباعة و النشر ، الإسكندرية، 2001، ص-ص. 174-176
(3) علي السلمي : نطور الفكر التنظيمي، وكالة المطبوعات ، الكويت ، 1975 ، ص 175. نقلا عن : Barnard,C. The function of executive, Cambridge.Mass.1938
(4) علي السلمي : تطور الفكر التنظيمي ، وكالة المطبوعات ، الكويت ، ص،ص. 180،181.(5) السيد الحسيني : علم اجتماع التنظيم ، دار المعرفة الجامعية ، الاسكندرية ،ص 75(6) لمرجع نفسه ، ص 76(7) محمد علي محمد: علم اجتماع التنظيم ، مدخل للتراث و المشكلات و الموضوع و المنهج ، ط2، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية ،2003 339. نقلا عن : Merton.R, « Bureaucratic structure and personality ».Tn Etzioni.A, Modern organisation, New Delhi.Prentice Hall of India private limited,1972. P.P 47.48
(8) السيد الحسيني : علم اجتماع التنظيم ، دار المعرفة الجامعية ، الاسكندرية ، 1994 ، ص 83.(9) حسين عبد الحميد أحمد رشوان :علم اجتماع التنظيم، ص.110.(10) عبد الله محمد عبد الرحمن: المرجع السابق ، ص 332.(11) السيد الحسيني : المرجع السابق، ص،ص.66،(12) عبد الحميد أحمد رشوان: المرجع السابق، ص104(13) السيد الحسيني : المرجع السابق ،ص.90. نقلا عن :
Salznick.P : T.VA and the Grass Roots, Ber keley , California Univeristy.Press 1949.P.259
(14) المرجع نفسه ، ص.91. نقلا عن: Salznick.P: Fondation of the theory of Organization, Amer. Social Rev.vol13 P.P 27.28
(15) صالح بو نوار : الفعالية التنظيمية ،رسالة دكتوراه في علم الاجتماع ، قسم علم الاجتماع و الديمغرافيا ، جامعة منتوري ، قسنطينة، الجزائر، 2004 ، ص 209 ، غير منشورة(16) طلعت ابراهيم لطفي: علم الاجتماع الصناعي، شركة مكتبات عكاظ للنشر و التوزيع، المملكة العربية السعودية ، ص 112(17) المرجع نفسه ، ص 112(18) عبد الله محمد عبد الرحمن: المرجع السابق ،ص.343. نقـلا عن : Blau,P : Dynamics of Bureaucracy. Chicago, Univ; Chicago pn. 1965,PP. 201-204.
(19) المرجع نفسه ، ص 345. نقلا عن : Blau,P :Op Cit , P 216.
(20) حسين عبد الحميد أحمد رشوان: المرجع السابق ، ص.113.(21) عبد الله محمد عبد الرحمن : المرجع السابق ، ص.345. نقلا عن : Etzioni,A : A comparative analysis of complex organization, N.Y ; the free press,1975.p.xi
(22) عبد الحميد أحمد رشوان : المرجع البسابق ، ص،ص.114،113 . نقلا عن : Etzioni,A : Modern Organization, New dalhi. Prentice Hall of India private Limited, 1972 , P.P. 58.61.(23) حنفي محمود سليمان: وظـائف الادارة ، مطبعة الاشعاع الفني ، مصر 1998 ، ص 36.(24) على السلمي : المرجــع السابق ، ص.116. نقلا عن :
Bakke, E W concept of the organization, in Haire,M. Modern Organization theory, N.Y.Wiley . 1959 p37
(25) محمد بهجت جاد الله كشك : المنظمات وأسس إدارتها ،الكتب الجامعي الحديث ، الاسكندرية ،1999 ، ص 104(26) علي السلمي : مرجع سابق ، ص. ص 126.125 نقلا عن : Argyris. C. Understanding Human behavior in organization, One view point in Haire, M. Modern Organization theory.N.Y.Wiley, 1959.P115(27) المرجع نفسه ، ص 130 .131(28) علي السلمي : المرجع السابق ،ص 134 نقـلا عن : Whyte .W.F. Man and Organization : Three Problems in Human Relation.N.Y1959(29) علي السلميي: المرجع السابق ،ص 137 نقلا عن: Likert, R : New Patterns of Management.N.Y Megraw-Hill. 1961
(30) المرجع نفسه ،ص 137.(31) علي السلمي :المرجع السابق ،ص.ص 141.140 نقلا عن :Likert, R : A Motivation Approach to a Modified theory of Organization and Management. In Haire, M.Modern Organization theory.N.Y Wiley.1959 p

Category :

0 Response to "التنظيم وإدارة السلوك البشري في نظرية البنائية الوظيفية والنظرية المعدلة"

إرسال تعليق