العمل التنظيمي في علم النفس

مرسلة بواسطة نواف الحربي.. On 12:34 ص

المقدمـــــــــــــةإن التطـور الذي شهده ميدان الصناعة أدى إلى حدوث كثير من المشاكل لدى العامل وعمله فأصبح من الضروري البحث عن علم يحل هذه المشاكل حلا ناجعا .وفي القرن العشرين ظهر علم النفس الصناعي الذي يهدف إلى دراسة الجوانب النظرية والعلمية لتطبيق أسس السلوك الإنساني المكتشفة في المجالات النظرية والتجريبية على هذا السلوك في بيئـة العمل أي علاقة الإنسان بالآلة وبالآخرين في بيئة العمل فضلا عن معرفة مستوى أداء الفرد تحت ظروف العمل الفيزيقية المختلفة وكيفية تنظيم العمل والتوفيق بينهما لدى العامل وصاحب العمل بغية تحقيق الإنتاج الجيد مع أقل الحوادث .وسوف نعرض بالدراسة في بحثنا هذا إلى مفهوم علم النفس التنظيم والعمل ، ثم نشأته وتطوره و أهميته و أهدافه، كما نتطرق إلى ميادين علم النفس الصناعي كذلك علاقته بفروع علم النفس الأخرى ،وفي الأخير مدارسه .نتمنى أن يكون بحثنا هذا لبنة في تكوين معرفة سليمة ودقيقة لهكذا فرع من فروع علم النفس.تعريف علم النفس التنظيم و العمل :علم النفس الصناعي و التنظيمي هو احد فروع علــم النفس إذ يغلب علـيه الجانب التطبيقي؛ويهدف هذا العلم إلى الدراسة النفسية و الاجتهادات العلمية للاستفادة من أسس علم النفس و نظرياته و طرقه في البحث و نتائج بحوثه و ذلك في ميدان العمل و الإنتاج و ترشيد الجهد الإنساني ليحقق من ذلك أقصى استفادة ممكنة للإنسان مجتمعه ومن ذلك نجد أن القرآن الكريم يحث على العمل حيث جعل الإسلام العمل واجبا وكرم العاملين ونهاهم على أن يمدوا أيديهم ؛وحتى أكرم خلقه تعالى عنده وهم رسله جعلهم جميعا يعملون،ولنا في القرآن الكريم نماذج رائدة يقتدى بها فنوح عليه الصلاة و السلام أمره ربه بصنع السفينة التي حملت الحياة و حفظت بقائها و استمرارها إذ قال تعالى:"واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني الذين ظلموا أنهم مغرقون ." (هود 37 ) وهناك عدة تعاريف لعلم النفس الصناعي أو الذي أصبح يعرف بعلم النفس التنظيم والعمل ونذكر منها:ـ تعريف فريز:حيث عرفه في كتابه علم النفس الصناعي:"هو دراسة الإنسان في حالة العمل." ـ تعريف دريفر:"فيرى أن علم النفس الصناعي فرع من فروع علم النفس التطبيقي الذي يهتم بتطبيق مناهج البحث في علم النفس و نتائجه في المشكلات التي تنشأ في المجال الصناعي أو الاقتصادي بما فيها اختيار العمال وتدريبهم ـ أما محمد عبد الفتاح دويدار:"فيعرفه بأنه الميدان الذي يعنى بدراسة العمل عن مختلف جوانبه باعتباره نشاطا إنسانيا مع الاهتمام بالتنظيمات التي تنشأ لهذا الغرض نشأة علم النفس التنظيم و العمل : كان للعمال قبل الثورة الصناعية في كل من أوربا و الولايات المتحدة عبارة عن عبيد،و ينظر إليهم على أنهم آلة يديرها أصحاب الأعمال و كان العامل في نظر أربابه كسولا بطبعه يكره العمل ، والدوافع لعمله الخوف من الطرد و الطمع في المال و لذلك فهو يبذل جهده على قدر سد حاجياته.ومنذ مطلع القرن 19نبض شعور بعض الفلاسفة و الأدباء الاقتصاديين و وجهوا الأنظار إلى خطورة هذا الاتجاه الذي يرمي إلى جمع الأموال و تكديس الثروات دون الاكتراث إلى العوامل و الاعتبارات الإنسانية في الصناعة و الإنتاج ، وفي منتصف القرن 19ظهر(دارون) بنظريته التي تقوم على تنازع البقاء و بقاء الأنسب و سرعان ما شاع انه من الإجرام معونة الضعيف أو الفقير. وفي بداية القرن 20بدا تطبيق علم النفس الصناعي على مشاكل العمل و الصناعة وكان المهندس الأمريكي(تايلور1856ـ1915)أول من وجه الأنظار بصورة علمية تجريبية إلى العنصر الإنساني كعامل رئيسي في الإنتاج ،ولهذا فكانت دراسة السلوك البشري في إطار المنظمات الصناعية قد يكون فرعا مستقلا في ميدان علم النفس تحت اسم علم النفس الصناعي ولكن منذ بداية السبعينات تحول الاهتمام من دراسة السلوك الفردي و تأثيره في الإنتاج والإنتاجية إلى الاهتمام بتأثير الأطر التنظيمية كهيكل السلطة مثلا في السلوك الفردي و الجماعي في المنظمات وقد تبلور هذا الاهتمام في الولايات المتحدة الأمريكية في تغيير اسم "علم النفس الصناعي إلى علم النفس التنظيم و العمل"وقد جاء هذا التغيير من قبل جمعية علم النفس الأمريكية سنة 1973.ليصبح السلوك الفردي و الجماعي و التنظيمي يدرس من خلال النظريات العديدة التي وضعها علماء النفس و الاجتماع في إطار ما يسمى بعلم النفس التنظيم والعمل أهمية علم النفس التنظيم و العمل :إن علم النفس الصناعي يهتم بتهيئة جميع الظروف المادية و النفسية و الاجتماعية التي تكفل تحقيق غايته كما يهتم بدراسة العوامل الإنسانية في الصناعة و الكشف عن الظروف الإنسانية للعمل و كذا حل المشكلات الصناعية بطريقة علمية حرصا على راحة العامل ؛كالحرص على زيادة إنتاجية المصنع إذ تتوقف هذه الأخيرة على مدى الاستعداد الفني للعامل و الإعداد المهني ما يحيط بالعامل من بيئة مريحة ،إذ تعد جميع هذه العوامل احد المحاور الأساسية للكفاية الإنتاجية و ذلك من خلال دراسة سيكولوجية إدارة الأعمال و قيادة الجماعات وذلك أمرين مهمين: أولا: أن المهنة هي مجموعة من الأعمال المتشابهة التي تربطها علاقة ما و قد تكون هذه العلاقة علاقة تكامل أو علاقة تدريب وإعداد خبرة . ثانيا:إن العمل عامة يقوم على فكرة تقسيم العمل و يشمل ذلك إعداد كل مجموعة من الأفراد لإنجاز جزء معين من هذا العمل و فكرة تقسيم العمل هي فكرة عالمية تطبق على كافة الأعمال في أي مجال من المجالات المهنية سواء كانت في مجالات مهنية بسيطة أو راقية أهداف علم النفس التنظيم و العمل:إن الأهداف الأساسية لعلــم النفس الصناعي كما حددهــا فيتلس هــي :1ـ زيـــادة الكفايـــة الصناعيـــة.2ـ زيادة توافــق العامل في عملــــه.3ـ تحقيق نوع من الاستقرار الصناعي لإزالــة مصادر الشكوى والمنازعات بين العمــال وأصحاب العمل .4ـ تهيئة الظروف المـــادية و المعنوية التي تجعل العامل أكثر ارتياحا لعمله .ميــادين علم النفس التنظيم و العمل:يمكن تصنيف الميادين التي يتناولها علم النفس الصناعي إلى ثلاثة ميادين:1ـ الفرد نفسه(أي العامل):ويشمل ذلك دراسة العامل من حيث دوافعه و حوافز العمل المادية و المعنوية و اثر هذه الدوافع و الحوافز على إنتاجه اليومي،كما تشمل الموائمة المهنية بمعنى تكيف الشخص لعمله بالإضافة إلى أن أهم اهتمامات الدراسات الأرقونومية التي تسعى إلى تكييف العمل الإنساني بحيث يبقى الإنسان فعال و منتج بأقل درجة ممكنة من التعب و ذلك من خلال التحسينات التي تدخلها على العناصر المكونة للعمل و الظروف المحيطة به 2ـ العمل نفسه(تحليل العمل):و يقصد به معرفة صفات العمل و خصائصه و متطلباته و ما يتطلبه من مهارات و قدرات و خصائص جسمية أو ذهنية أو شخصية معينة و ذلك بالبحث عن أفضل الطرق و أسهلها لأداء العمل و تكييف الآلات والأدوات حتى تناسب العامل الذي يديرها أو يستخدمها.3ـ العلاقات الإنسانية:و يهتم بدراسة العلاقات بين العمال و الإدارة و طرق الاتصال و التفاهم المتبادل بينهم و كما يدرس سيكولوجية القيادة و الإشراف و تخطيط العلاقات الاجتماعية لفرق العمال الذين يعملون معا،كما يتناول هذا الميدان صحة العامل النفسية و العمل على زيادتها بإتباع الوسائل و الإرشادات التي تحقق الصحة النفسية الجيدة للعاملين مما يؤدي إلى زيادة إنتاجهم علاقة علم النفس التنظيم و العمل بفروع علم النفس الأخرى :إنه لا يوجد علم مستقل بذاته عن العلوم الأخرى حيث أن جل العلوم مكملة بعضها لبعض أخذا أو عطاء وعليه فإن لعلم النفس التنظيم و العمل علاقة مع فروع علم النفس الأخرى :1ـ يستفيد علم النفس التنظيم و العمل من علم النفس الفارق في التعرف على الفروق الفردية الموجودة بين الأفراد و الجماعات من فوارق في الذكاء و الاستعدادات الشخصية2ـ يستفيد علم النفس الصناعي من علم النفس التعليمي في عملية التدريب بوجه خاص سواء كان هذا التدريب صناعي أم يدويا أو اجتماعيا أو إداريا و ذلك أن عملية التدريب هي عملية تعلم و تعليم .3ـ كما يستفيد علم النفس الصناعي من علم النفس الاجتماعي العلاقات الإنسانية داخل بيئة العمل و التي تبين لنا العوامل التي تسهل العمل الجماعي و تعطله.وطرق تحسين العلاقات الإنسانية بين العمال بما يزيد تماسكهم و يرفع من روحهم المعنوية .4ـ يستفيد علم النفس الصناعي من علم النفس العيادي و علم النفس الشواذ اللذان يشخصان مختلف الاضطرابات النفسية و السلوكية في مجال الصناعة .5ـ كما أن الأخصائي النفسي الصناعي في حاجة ماسة إلى استخدام مقاييس و اختبارات سيكولوجية ثابتة و صادقة في تقدير الذكاء و القدرات الخاصة والميول والاتزان الانفعالي و الكفاية الإنتاجية ضرورية لعمليات الاختيار و التوجيه والتدريب والتأهيل المهني مـدارس عـلم النفس التنظيم و العمل :1- فيبر و التنظيم البيروقراطي :وضح ماكس فيبر" 1864ـ1920 " دور الإصلاح البروتستانتي في تعميق فلسفة الروح الفردية في المذهب الرأسمالي،حيث بين أن الرأسمالية تبنت فكرة الاعتقاد بأن العمل الجدي المؤدى كواجب يحمل أحسن الجزاء وقد كان الإصلاح البروتستانتي يؤكد على أخلاقيات تمجد العمل وتعتبر تضييع الوقت إثما يعاقب الإنسان عليه،فهذه الأخلاقيات عكس تلك الأفكار الرائدة في الأوساط المسيحية خلال القرون الوسطى والتي كانت تعتبر العمل عقابا إلاهيا للبشر وذلك نتيجة عصيان أبيهم آدم في الجنة .و هكذا فقد أعادت الأخلاقيات البروتستانتية للعمل شرفه فكانت بذلك الأساس الذي ارتكزت عليه الرأسمالية.والتي دعمتها نظريات اجتماعية و اقتصادية و هكذا ظهرت نظرية فيبر البيروقراطية لتهتم اهتماما كبيرا بالإنتاج والإنتاجية ولو على حساب القيم الإنسانية و قد عمد فيبر إلى وضع نموذج للتنظيم البيروقراطي فالبيروقراطية في حسبه أعظم اختراع اجتماعي إنساني متميزا على بقية الأنظمة بالتفوق التقني فتطرق بذلك بمختلف الأنظمة و هي 3 نذكرها على النحو التالي :ـ السلطة التقليدية: أي أين يتم توارث السلطة و كانت موجودة في عهد الإقطاع .ـ سلطة الهبة الإلهية: يستمد القائد شرعيته من الخصائص الجسمية والقدرات التي تميزه عن غيره .ـ السلطة العقلية الشرعية: القائمة على أساس التنظيم العقلي للإدارة والتسيير 2-المدرسة التايلورية: نسبة إلى فديريك تايلور. ووضح تايلور أسلوب التسيير و الإدارة المتبع في المصانع الأمريكية القائم على مبدأ أساسي وهو المكافأة المالية التي تكون حسب المبادرة الفردية للشخص،ولهذا فإن تسيير الإدارة والعمال حسب اعتقاد تايلور ينبغي أن يكون وفق مبادئ علمية يلخصها في المبادئ التالية:1ـ تقسيم العمل وتحديده: وذلك بتوزيع العمل على عدد من العمال بهدف تبسيط العمل و تحقيق الفعالية في الأداء .2ـ اختيار العمل :يجب أن يكون وفقا لمستلزمات و متطلبات الأعمال التي يقوم بها العمال .3ـ المكافأة المالية اليومية للعمال و ذلك كحافز مادي لتحقيق امتثالهم للأوامر والإجراءات المفصلة المتعلقة بأداء عمل ما .3- مدرســة العلاقات الإنسانية: لقد عانت المؤسسات الصناعية المسيرة وفق المبادئ التايلورية في الولايات المتحدة الأمريكية و غيرها من عدة مشاكل تنظيمية و سلوكية كالعجز عن رفع الإنتاج وتحسينه و عدم ضمان الولاء الحسن للعمال وغير ذلك من المشاكل كالإضرابات و الغيابات.ولهذا فإن مدرسة العلاقات الإنسانية قد جاءت ببعض المبادئ النظرية و التقنيات للتغلب على المشاكل التي واجهت المؤسسات الرأسمالية المسيرة وفق المبادئ التايلورية ،اتفق عدة باحثين أمثال مورغان(1979) وغاردنر(1964) و روجر(1979) على أن نتائج هاوثورن تشكل أساس نظرية العلاقات الإنسانية في دراسة السلوك التنظيمي.دراسات هاوثورن: مجموع الدراسات الميدانية التي أجريت بين 1927ـ1932في الشركة الغربية للكهرباء بمدينة هاوثورن قرب شيكاغو .كان الهدف الأول من هذه الدراسات هو دراسة العلاقة بين نوعية الإضاءة وفعالية العمال في الأداء ،غير أن تلك الدراسة فشلت في إيجاد أي علاقة بين نوعية الإضاءة وفعالية العمال في الأداء لكنها توصلت إلى نتيجة إيجابية تمثلت في وضع إطار نظري جديد للسلوك التنظيمي في المصانع وهو تبني مبدأ الاهتمام بالعلاقات الإنسانية ،ومن ثم فإن الاهتمام تحول من تمجيد الروح الفردية إلى التركيز على الناحية الاجتماعية ،إن هذه المبادئ التي توصلت إليها مدرسة العلاقات الإنسانية لم تبنى وفق نتائج دراسات هاوثورن فقط و إنما بالإضافة إلى ذلك نتيجة عدة عوامل اجتماعية واقتصادية محلية وعالمية كالأزمة الاقتصادية في الثلاثينات .انتفاضات العمال و إضراباتهم المتكررة و نتيجة أيضا إلى اعتناق هذه المبادئ من طرف عدد كبير من المسيرين الإداريين الذين ظهروا بعد الحرب العالمية2والذي ساعد هذا على انتشار مبادئ مدرسة العلاقات الإنسانية و تطبيقها.4- مدرسة الأنساق المفتوحة: يقصد بالنسق في إطار هذه المدرسة مجموعة من الوحدات التي تتميز بهيكل ما على أن هذا الهيكل متميز عن المحيط الخارجي .لقد ظهرت نظرية الأنساق المفتوحة على يد جماعة صغيرة من العلماء أمثال لويدفان و ريبورت أناتول كنيث بولدينغ وبرسون . وتعتبر هذه المدرسة في الغرب اتجاها نظريا ذا تأثير قوي في الفكر العلمي المعاصر،و من أهم مبادئ هذه المدرسة :مبدأ الكلية و التركيز على أن الكل ذو دلالة أكثر من مجموع الأجزاء التي تشكله .ويعد جيمس ميلر أحد رواد هذا الاتجاه و الذي نشر عدة مقالات هامة حول نظرية الأنساق الحية (هو اعتبار المنظمات ككائنات الحية) و(معتبرا أيضا أن المنظمة عبارة عن نسق مفتوح). الخاتــــــــــمةوأخيــرا يمكن القول أن علــم النفس التنظيم والعمــل هو علم مستقل عن الاتجاهات والمذاهـب السياسية كما أنه يبحث بالأسلوب العلمي عن أسباب المشكـلات قبل أن يوصـي بالعلاج أي أنـه يهاجم الأسباب لا الأعراض في تكوين الحلول التي يصل إليها وهي حاسمـة ولا تقوم على التخبط والارتجال والنشاط العشوائـي كما أنه لا يخـلو عمل من المشكـلات والنقائص فنلتمس منكـم الإٌرشاد والنصــح .

Category :

0 Response to "العمل التنظيمي في علم النفس"

إرسال تعليق